اللغة العربية في مصر قبل الإسلام

يبحث المقال في تاريخ اللغة العربية في مصر قبل الإسلام، ويبحث في لغة المصريين قبل الإسلام، والعوامل اللغوية المؤثرة في لغة أهل مصر.

المؤلف: أحمد مختار عمر المصدر: الألوكة التاريخ : 09/05/2023 المشاهدات : 356

المحتوى

اللغة العربية في مصر قبل الإسلام

 لم تكن اللغة العربية غريبة على مصر حين جاء الإسلام إليها، فقد كان لها هناك تاريخ طويل يمتد عدَّة قرون قبل ظهور الإسلام، وربما قبل ظهور المسيحية أيضًا، حين كانت وفود القبائل العربية تقصد مصر إما للتجارة أو للاستقرار.

فمن ناحية التجارة، أشار المؤرخون إلى أنه كانت هناك خطوط تجارية برية وبحرية تصل بين مصر والجزيرة العربية، وتفيد المصادر اليونانية واللاتينية[1] وغيرها أن مدينة غزة كانت في ذلك الوقت ميناء تجاريًّا هامًا، ومركزًا يلتقي فيه التجار ورجال الأعمال لعقد الصفقات التجارية، وكان التجار العرب يقدمون إليه لبيع ما عندهم من حاصلات اليمن وجنوب الجزيرة العربية وشراء ما يلزمهم مما يرد على هذه المدينة من البحر من حاصلات اليونان وإيطالية ومصر وغيرها، وتشير إحدى الوثائق[2] التي يرجع تاريخها إلى عام 263 ق. م إلى وجود علاقات تجارية بين المصريين والعرب في تلك الفترة النائية، ومن الثابت كذلك أن عمرو بن العاص زار مصر قبل الفتح الإسلامي بوصفه تاجرًا، وذهب إلى الدلتا ومن بعدها إلى الإسكندرية[3]، وأن خبرته بالبلاد المصرية هي التي جعلته يفكر في غزوها ويغري الخليفة بذلك، وهي التي سهلت له عملية الفتح.

وأمَّا بالنسبة للهجرات العربية بقصد الاستقرار، فقد كانت هناك كثير من الموجات دفعت بها بلاد العرب إلى مصر في العصور الفرعونية.

وكان طريق سيناء قنطرة ثابتة مفتوحة للهجرات منذ القدم. ومن هذه الهجرات ما كان يؤخذ فيه رأي حاكم مصر ويتم بموافقته، وقد أشار المؤرخون إلى سلسلة من تلك الهجرات أخذت مكانها قبل الفتح الإسلامي، ومن بينها:

1 – هجرة قبائل كهلانية من عرب الجنوب ذات أصل قحطاني استقرت في الجزء الشمالي الشرقي من مصر، وقد تم ذلك مع مطلع المسيحية[4].

2 – هجرة قبائل من "طيء" (فرع كهلاني آخر من المجموعة الجنوبية) كان من أهمها قبيلتا لخم وجذام اللتان استقرتا في إقليم الشرقية[5].

3 – قبيلة "بل" التي دخلت مصر قبل الإسلام واستوطنت ما بين القُصَيْر وقِنا. وكان عليهم الاعتماد في نقل التجارة الهندية. وقد قدِم وفد منهم إلى الرسول وأسلموا[6].

4 – هجرة بطون من خزاعة، وهم فرع من الأزد خرجوا في الجاهلية إلى مصر والشام لأن بلادهم أجدبت.

5 – استقرار بعض الجماعات العربية قبل الإسلام في شرق الدلتا.

6 – وقد أشار المؤرخون اليونان بما فيهم استرابو ( 66 ق . م ) وبلينيوس ( 70 م ) إلى أن عدد العرب في عهدهم قد تضاعف على الضفة الغربية من البحر الأحمر حتى شغلوا كل المنطقة بينه وبين نهر النيل في أعلى الصعيد. وكان لهم جمال ينقلون عليها التجارة والناس بين البحر الأحمر والنيل[7]، وقد وصف استرابو كذلك مدينة قِفْط (Koptos) بأنها مدينة واقعة تحت حكم العرب[8]، وصرح بأن نصف سكاها يتكونون من أولئك العرب[9].

7 – ذكر هيرودوت[10] أن الأقسام الشرقية من مصر بين سواحل البحر الأحمر ونهر اليل كانت مأهولة بقبائل عربية.

8 – في عهد عمر بن الخطاب – بعد فتح الشام وقبل فتح مصر – هاجرت بعض القبائل من غسان ولخم وجذام وعاملة – التي كانت تدين بالمسيحية – إلى مصر، واستقرت هناك في الجزء الشمالي الغربي من "سيناء"، وقد منحهم الإمبراطور الروماني حينذاك إقطاعية "تنيس" (صان الحجر)[11] وقد قابلت النجدة التي أرسلها عمر بن الخطاب عبر وسط سيناء لمساعدة عمرو جمعًا هائلا يبلغ نحو ثلاثة آلاف، وحين سألوهم عرفوا أنهم من عرب غسان ولخم وعاملة[12].

وبالإضافة إلى هذا فإن الوثيقة السابق الإشارة إليها، والتي يرجع تاريخها إلى عام 263 ق.م تفيدنا أنه كانت توجد في ذلك الوقت المبكر جالية عربية كبيرة مكونة من القبائل التي هاجرت من جنوب الجزيرة العربية واستقرت في مصر.

وإنه لمن الأهمية بمكان أن نذكر هنا أن لغة هذه الوثيقة تبدو قوية الصلة باللغة العربية، مما يدل على أن هؤلاء العرب كانوا يكوّنون جزيرة لغوية في مصر، وأن هذه الجالية ظلت مخلصة لقوميتها محتفظة بأبجديتها تكتب بها وتعتز بتراثها. والوثيقة قصيرة، ولكنها ذات أهمية كبيرة لأنها تحدثت عن وجود العرب الجنوبيين بمصر في ذلك العهد السحيق، وعن وجود علاقات تجارية ربطت بين مصر وجزيرة العرب من البر والبحر. وهي تتحدث أيضًا عن رجل اسمه "زيد بن زيد ايل" اعترف بوجود دَيْن عليه وواجب هو توريد وتزويد بيوت آلهة مصر بالمُرِّ وقصب الطيب.

ومن الكلمات التي وردت في هذه الوثيقة، والتي يمكن بسهولة ردها إلى أصل عربي أو ساميٍّ الكلمات "دَيْن" التي استعملت في نفس معناها العربي، و"نفقس" التي تعني ثروته أو نفقته من الأصل الثلاثي "نفق"، و"محرمهى" التي تعني الحرم، و"رثد" التي تعني رصد أو خصص.

وعلى أي حال فمن الطبيعي أن يكون قد نشب نوع من الاحتكاك في ذلك الوقت بين اللغتين العربية والمصرية، وأن تكون قد حدث بينهما قدر ما من التبادل. ويبدو أن آثار كلتا اللغتين على الأخرى كانت قوية لدرجة أنها خلقت تشابها أو تقاربا بين اللغتين، أو بين المجموعتين السامية والحامية[13] (من المجموعة السامية اللغة العربية ومن المجموعة الحامية اللغة المصرية القديمة).

ولكن الحقيقة أن هذا التشابه سببه ما حدث من اختلاط بين الساميين والمصريين في العصور السحيقة.

وممن حاول اكتشاف العلاقة بين اللغات السامية والحامية المستشرق المشهور أوليرى (دي لاسى) الذي كتب بحثًا حاول فيه أن يبين أوجه الشبه بين العائلتين اللغويتين[14].وقد كان نفوذ اللغة المصرية (أو اللغات المصرية إذا أردنا بهذا المصطلح ما يشمل اللغة اليونانية التي كانت صاحبة نفوذ في مصر في تلك الفترة) على اللغة العربية كبيرًا من ناحية المفردات. فهناك كلمات مصرية كثيرة دخلت اللغة العربية وأصبحت ينظر إليها على أنها من اللغة الأدبية النموذجية. من هذه الكلمات ألفاظ نحو "قبس" التي وردت في القرآن الكريم، و"صداع"، و"مشط" التي وردت في الحديث النبوي: "الناس سواسية كأسنان المشط"، وكلمة "برْدي" التي وردت في شعر الأعشى.

 وقد ذكر السيوطي[15] – إلى جانب ذلك – قائمة من الكلمات التي وردت في القرآن الكريم ولها – على ما يزعم – أصل قبطي. ومما ذكره في هذا الخصوص قوله: وفي قوله تعالى: ﴿ وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ ﴾ [ص: 3] أي فرار بالقبطية. وفي قوله تعالى: ﴿ بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ ﴾ [يوسف: 88] أي قليلة بالقبطية، وحكى الكرماني وغيره في قوله تعالى: ﴿ فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا ﴾ [مريم: 24] أي بطنها بالقبطية. وفي قوله تعالى: ﴿ فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ ﴾ [ص: 7] أي الأولى بالقبطية .. وواضح أن قائمة السيوطي لا يمكن التسليم بها مطلقًا ولذا فنحن لا نعطيها أي اعتبار.

وهناك قائمة أخرى كبيرة لكلمات ذات أصل يوناني، ولكن أحدًا لا يمكنه أن يقطع هل كان انتقال هذه الكلمات إلى اللغة العربية قد تم في مصر أو في سورية.

وخلاصة القول أن اللغة العربية كانت تتكلم في مصر في فترة ما قبل الإسلام بين أبناء الجاليات العربية وعلى ألسنة التجار العرب وأن تبادلًا حدث بين اللغتين المصرية والعربية، أدى إلى ترك آثار من كلا الجانبين على الآخر ولكن دون أن يفقد أي منهما شخصيته.

المصدر:

كتاب: تاريخ اللغة العربية في مصر

المراجع

[1] تاريخ العرب قبل الإسلام، تأليف جواد علي 8 / 132.

[2] المرجع السابق 8 / 67 و 68.

[3] الكندي: الولاة ص 6 – 7 ، طبعة بيروت 1908 ، وانظر تاريخ مصر الإسلامية للشيال ص 5 وما بعدها.

[4] عباس عمارThe people of Sharqiya.( القاهرة 1944 ) 1 / 21.

[5] المرجع السابق 1 / 23.

[6] المرجع السابق 1 / 24.

[7] انظر: البيان والإعراب ص 89.

[8] انظر: دائرة المعارف الإسلامية مادة (Kibt) ص991 (طبعة أولى). والبيان والإعراب، للمقريزي 89.

[9] عروبة مصر من قبائلها، للأستاذ مصطفى كامل الشريف ص 22. (الطبعة العالمية سنة 1965)، ومصر العربية الإسلامية، للدكتور علي حسن الخربوطلي ص 15.

[10] جواد علي: تاريخ العرب قبل الإسلام 7 / 25 و 26.

[11] المقريزي: البيان والإعراب ص 90 – 91 ( طبعة القاهرة 1961).

[12] عروبة مصر من قبائلها ص 23.

[13] انظرFrach Jehangier Sorabji : Elements of th Science of Language, Calcutta, 1932.

[14] انظر: مقدمة كتاب Characteristice of the Hamitic Languages.

[15] المتوكلي فيما ورد في القرآن باللغة الحبشية والفارسية .... ص 12.

التعليقات