الحمد لله رب العالمين الذي جعل لغة خاتم رسالاته اللغة العربية، واختار لها نبيا عربيا، وأوحى إليه بلسان عربي مبين، فرفعت الرسالة الخاتمة من شأن اللغة العربية، وأكسبتها قوة على قوتها، وجعلت لها مكانتها بين اللغات الأخرى، وخلدتها خلود الإسلام، فكان لزاما على كل من يدين بالإسلام أن يتعلمها سواء أكان ناطقا بها أو بغيرها، لأنها لغة دينه: لغة القرآن، ولغة السنة النبوية، ولغة الصلاة، ولغة الحج، ولغة الدعاء.
قال تعالى: {إناَّ جَعَلْنَاهُ قُرْءَاناً عَرَبِياًّ لَعَلًّكُمْ تَعْقِلُونَ. وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْناَ لَعَلِيٌّ حَكِيم}. ( الزخرف: 3-4 ).
وقال تعالى:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْناَ إِلَيْكَ قُرْءَاناً عَرَبِياًّ لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} (الشورى: 7 ).
تهدف هذه الورقة إلى معرفه المصاعب التي تواجه الطلبة الماليزين في التحدث باللغة العربية، لمعرفة الأسباب، واقتراح الحلول من وجهة نظر الطلبة أنفسهم. وذلك من خلال استطلاع آراء بعض الطلبة المتخصصين في تعليم اللغة العربية بوصفها لغة ثانية، في السنة النهائية بمعهد التربية. وقبل الخوض في الموضوع يود الباحث أن يشير إلى الفرق بين تعلّم اللغة واستخدام اللغة، حيث إن تعلم اللغة لا يعني بالضرورة استخدامها، كما أن استخدام اللغة أيضا لايعني تعلّمها، فكثيرون يتعلمون اللغة ولا يستخدمونها، ربما لعدم وجود مجال لاستخدامها، وفي المقابل كثيرون يستخدمون اللغة دون أن يتعلموها كالناطقين بها، أو الناطقين بغيرها الذين يتلقونها سماعا نتيجة اختلاطهم/ تعاملهم مع الناطقين بها، لذلك يرى الباحث أنه من الضروري التعريف بالمصطلحين - التعلُّم والاستخدام - قبل الحديث عن التعلم والتكلم لدى الطلبة المتخصصين في تعليم اللغة العربية بوصفها لغة ثانية بالجامعة الإسلامية العالمية ماليزيا.
يظن البعض، من غير العرب، أن الناطق باللغة العربية لا يحتاج لدراستها، لأنها لغته الأم، يرثها من أبويه أو المجتمع حوله، ويمارسها منذ طفولته، كما يظن البعض أن أي عربي يستطيع التحدث بالفصحى بصرف النظر عن مستواه التعليمي أو الثقافي، وهذا ظن خاطئ، إذ أن اللغة العربية لها فروع متعددة، تتشابك وتترابط مع بعضها من قواعدَ وبنىً وتراكيب وأساليب إلخ، ولا يمكن معرفة هذه الفروع إلا من خلال الدراسة المتخصصة.
لكن من البديهي أن تعليم وتعلّم لغة لناطقين بها (لغة أمّ) أسهل بكثير من تعليمها وتعلّمها لناطقين بغيرها، إذ أن الناطقين بها لايستخدمون غيرها، فهي لغة التخاطب في كل مجالات الحياة.
وتعلم اللغة يعني العملية الواعية التي يقوم بها الفرد عند تعلم اللغة لمعرفة قواعدها وضوابطها وأساليبها والقدرة على استعمالها في المواقف المختلفة، وليس هذا قاصرا على من يتعلم لغة غير لغته، بل يشمل أيضا من يريد إتقان لغته الأم ، كالناطقين باللغات التي تضبطها قوانين نحوية وصرفية وأدوات وظيفية مثل العربية والإنجليزية والفرنسية والأسبانية وغيرها، فهم في حاجة إلى معرفة تلك الضوابط والقوانين لاستعمال اللغة استعمالا صحيحا في المواقف والمحافل والمجالات الرسمية؛ الوطنية والدولية. والذي يفرِّق بين تعليم اللغة الأم واللغة الأجنبية هو الهدف والمنهج والأسلوب والطريقة التي تتبع في تعليم كل منهما[1].
هناك لغات قومية، ولغات محلية، ولغات رسمية، ولغات عالمية… الخ، أما الاستخدام المحدود فيكون عندما يتم تعلّم اللغة خارج موطنها الأصلي أو داخله ولكن لناطقين بغيرها، فاستخدامها يكون في نطاق مجالات خاصة؛ مثل العبادة كما هو الحال في اللغة العربية، أو في التعامل مع الناطقين بها من خلال الاحتكاك بهم في مجالات السياحة أو التجارة أو السياسة أو التعليم أو المصاهرة، وهذا لا يتطلب أن يكون الشخص مُلِماًّ بأسرار ودقائق اللغة المتعلَّمَة كما لو كان ناطقا بها، بل يكفيه منها ما يفي بغرضه الذي يسعى إلى تحقيقه، اللهم إلا إذا كان هدف الشخص إتقان اللغة لدراسة تراثها وثقافتها والتعايش والتعامل مع الناطقين بها، فاستخدامها في هذه الحال يكون أكثر اتساعا؛ لأنها تصبح لغة ثانية للشخص وليست أجنبية[3].
من خلال العمل في مجال تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها وجد الباحث أن مهارة الكلام مازالت معتورة لدى الطلبة الماليزيين وغيرهم من الطلبة الآسيويين(من إندونيسيا، وتايلاند، وفيتنام، وبورما، وسنغافورة والصين والمالديف...) المتخصصين في تعليم اللغة العربية بوصفها لغة ثانية، في معهد التربة بالجامعة الإسلامية العالمية، مع أنهم يعرفون القواعد النحوية والصرفية معرفة جيدة، وفي محاولة من الباحث لمعرفة السبب في اعتوار الكلام عندما يتحدثون باللغة العربية، قام باستطلاع آراء عينة من الطلبة الملايويين (25 طالبا) المتخصصين في دراسة اللغة العربية المسجلين في السنة الرابعة، في الفصل الدراسي الأول من العام الأكاديمي 2010/ 2011 والذين سيتخرجون هذا العام، ثم يذهبون إلى العمل لتعليم اللغة العربية في المدارس الثانوية، وذلك لمعرفة السبب في عدم انسيابية الحديث باللغة العربية. ولمعرفة آرائهم، طرح عليهم الباحث ثلاثة أسئلة مفتوحة ليعبروا عن رأيهم دون تدخل من أي طرف، الأول منها يتعلق بعدد سنوات الدراسة التي قضوها في تعلّم اللغة العربية قبل الالتحاق بالجامعة، وفي أي مدرسة: وطنية أم دينية، والسؤال الثاني يتعلق بالصعوبات التي يواجهونها أثناء التحدث باللغة العربية، أما السؤال الثالث فهو كيف يتغلبون على تلك الصعوبات؟.
وقد تم ذلك خلال الفصل الفصل الدراسي الأول للعام الأكاديمي 2010/2011 بعد محاولات عديدة لمساعدتهم وتشجيعهم وتدريبهم على التحدث باللغة العربية تطبيقا للقواعد والقوالب اللغوية التي تعلموها في المرحلة الجامعية وما قبلها في المرحلة الثانوية.
وبعد إجابة الطلبة على الأسئلة الثلاثة المذكورة؛ وجد الباحث أن 10 منهم درسوا اللغة العربية لمدة تزيد عن خمس سنوات قبل التحاقهم بالجامعة، وأن خمسة عشر منهم درسوها خمس سنوات كما هو موضح في الجدول التالي:
- عدد الطلاب المجاوبين | - عدد سنوات دراسة اللغة العربية قبل الالتحاق بالجامعة. | - المجموع | |
| أكثر من 5 سنوات (6-7 سنوات) | ||
25 | 10 طلاب | 15 طالباً | 25 طالبا |
وإذا أضفنا سنوات الدراسة بالجامعة، يكون إجمالي السنوات التي قضاها الطلبة في تعليم اللغة العربية 9 سنوات و10 سنوات و11 سنة، وهذه مدد كافية لجعل الطالب يتقن اللغة قراءة وكتابة ومحادثة في ظل ظروف تعلّمٍ عادية- مقرر ومعلم وبيئة وأنشطة وحوافز لغوية وغيرها من لوازم تعلّم اللغة، لكن الواقع يقول غير ذلك، وفقا لإجابات الطلبة المذكورة أدناه.
أما الإجابة عن السؤال الثاني (ما الصعوبات التي تواجهها أثناء التحدث باللغة العربية؟) فكانت الإجابة كالتالي:
الإجابة | عدد المجاوبين | النسبة المئوية |
عدم الثقة بالنفس للتحدث بالعربية | 25 | 100% |
الشعور بالخجل عند التحدث بالعربية | 25 | 100% |
الخوف من الوقوع في خطأ لغوي أثناء الكلام | 25 | 100% |
عدم وجود بيئة مناسبة لممارسة الكلام بالعربية | 25 | 100% |
قلة المفردات العربية | 15 | 60% |
الخوف من الخطأ في الإعراب | 15 | 60% |
قلة استخدام اللغة العربية يوميا | 10 | 40% |
البيئة غير مشجعة للكلام باللغة العربية | 5 | 20% |
عدم الحماس لتعلّم اللغة العربية | 2 | 8% |
بالنظر إلى الأسباب التي ذكرها الطلبة نجد أن المستجوبين أجمعوا على أربعة أسباب من الأسباب التي تجعلهم يتعثرون في الكلام باللغة العربية وهي: عدم الثقة بالنفس، والشعور بالخجل، والخوف من الوقوع في خطأ لغوي، وعدم وجود بيئة مناسبة لممارسة التحدث باللغة العربية. بالإضافة إلى أسباب أخرى، منها قلة المفردات لدى البعض منهم (60%)، والخوف من الخطأ في الإعراب أيضا (60%)، وقلة استخدام اللغة العربية يوميا (40%)، ومنهم من أضاف أن البيئة غير مشجعة للكلام باللغة العربية.
وتكاد تكون الأسباب الثلاث الأولى التي أبداها الطلبة مترابطة مع بعضها حيث إن عدم الثقة بالنفس، والخوف من الوقوع في خطأ لغوي يؤديان إلى الشعور بالخجل، وبالتالي يتعثر الطالب في الحديث لأنه غير واثق من تمكنه في اللغة، ويحشى أن يكون محل سخرية الآخرين أو سخرية المعلم.
وفيما يخص السؤال الثالث( كيف تتغلب على هذه الصعوبات؟)، كانت إجاباتهم على النحو التالي:
الإجابة | عدد المجاوبين | النسبة المئوية |
كثرة القراءة العربية في الكتب والصحف والمجلات | 20 | 80% |
التحدث بالعربية يوميا مع الأصدقاء الذين يجيدون اللغة العربية | 20 | 80% |
استخدام اللغة العربية في الدردشة مع الأصدقاء عبر الإنترنت | 7 | 28% |
ممارسة الكلام باللغة العربية عن طريق التحدث مع النفس أمام المرآة | 5 | 20% |
الاستماع إلى البرامج العربية من التلفاز والمذياع، مثل النشرات الإخبارية وغيرها | 3 | 12% |
مشاهدة الأفلام العربية للاستفادة منها في ممارسة اللغة | 2 | 8% |
إقامة أنشطة لغوية وتشجيع الطلبة على المشاركة فيها | 2 | 8% |
في هذه الإجابات ليس هناك إجماع على حلّ معين للتغلب على التعثر في الكلام، ولكن يرى معظمهم (80%) أن كثرة القراءة في الكتب والصحف والمجلات تزيد من ثروتهم اللغوية، وكذلك التحدث باللغة العربية يوميا مع الأصدقاء الذين يجيدون اللغة أو الناطقين بها يثري قدرتهم على الكلام ويزيح عنهم حاجز الخجل، ويمنحهم الثقة بالنفس.
كذلك الدردشة على الإنترنت باللغة العربية، والتحدث مع النفس أمام المرآة، والاستماع إلى البرامج العربية المتلفزة أو المذاعة، ومشاهدة الأفلام العربية، كلها عوامل مساعدة على إتقان مهارة الكلام، ومن ثَمّ اكتساب الثقة بالنفس عند التحدّث باللغة العربية، يضاف إلى ذلك الأنشطة اللغوية وتشجيع الطلبة على المشاركة فيها، حتى وإن لم يذكرها إلا اثنان فقط من المستجوبين، فإنها ذات أهمية بالغة لأن الطلبة طوال فترة دراستهم لم يتلقوا التشجيع الكافي على التحدث باللغة العربية، وإن وجدوا تشجيعا كافيا، فربمالم يجدوا الوقت الذي يسمح لهم بالتحدّث بالعربية نظرا لطبيعة الدراسة في الجامعة، والمقررات المتنوعة الموزعة على مدار السنوات الدراسية كمتطلب للتخرج في فترة زمنية لا تزيد عن أربع سنوات.
بعد الاطلاع على آراء الطلبة، أستطيع القول بأن الطلبة لديهم هاجس خوف من التحدث باللغة العربية، ليس لأنهم لا يستطيعون بل لأنهم لم يتعودوا ممارسة الكلام بما يتناسب مع القدر الذي يتعلمونه من اللغة العربية، كما أن الأنشطة اللغوية التي يقومون بها – مسابقات في الإلقاء الشفوي، معسكرات، رحلات، ندوات إلخ- قليلة، و ربما أجرؤ وأقول قليلة جدا، على الأقل مع الطلبة الذين يدرسون في معهد التربية بالجامعة الإسلامية العالمية.
وعليه، يقترح الباحث أن يخصص وقت لممارسة الكلام باللغة العربية داخل الصفوف الدراسية وعلى مدار سنوات الدراسة، على أن يقسم الطلبة إلى مجموعات صغيرة بحيث تتاح الفرصة لكل طالب/ طالبة للتحدث باللغة العربية، مع التشجيع الكامل من المحاضر، ويتم تصحيح الخطأ بطريقة محفزة، وترصد لهم مكافآت ولو رمزية تعزيزا لدفعهم للكلام، وكسر حاجز الخوف والخجل، وإكسابهم الجسارة والجرأة والثقة. على أن يكون الوقت المخصص للكلام إلزاميا لجميع الطلبة دارسي اللغة العربية ضمن المخطط الدراسي لمواد اللغة العربية، كمقررات النحو والصرف والتدريبات اللغوية، والأدب والبلاغة وغيرها من المقررات المتعلقة باللغة.
وعلى الله قصد السبيل.
راجع إسماعيل طليب (2003). المرشد الوجيز لمعلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها في المستويات المتوسطة والمتقدمة. كوالا لمبور. ص9.[1]
للمزيد؛ راجع المصدر السابق ص 8-10.[2]
المرجع السابق. ص9-10[3]