يشكل المتعلم عنصرًا أساسيًا في العملية التعليمية، فهو المحور الذي تركز عليه، ومن ثمَّ فهو أولاً وأخيرًا الهدف من العملية التعليمية، فما قامت هذه العملية إلا من أجل تحقيق أهداف معينة لدى المتعلم، ولذا فإن معرفة خصائص المتعلم النفسية والعقلية تعد مطلبًا ضروريًا عند إعداد محتوى المناهج الدراسية.
ومن الواضح أن لكل مرحلة عمرية خصائصها النفسية والعقلية، بل إنَّ الأفراد يختلفون فيما بينهم من قدرات عقلية وسمات نفسية داخل المرحلة العمرية الواحدة، ومن هنا ظهر مبدأ الفروق الفردية المتصلة بنمو المتعلمين، والذي ينبغي مراعاته عند إعداد واختيار المواد التعليمية.
وإذا كان الاختلاف في القدرات ينطبق على أفراد المجتمع الواحد فإنه أحرى أن ينطبق على دارسي اللغة العربية من غير الناطقين بها؛ حيث إنهم يأتون من بيئات شتى، ومن ثقافات متنوعة، وجنسيات مختلفة الأمر الذي يؤدي إلى اختلافهم في القدرات العقلية واستعدادهم لتعلم اللغة العربية، وبالطبع فإنهم يختلفون في دوافعهم، وفي درجة اهتمامه وسرعة تعلمهم للغة العربية.
ويؤكد علماء اللغة والتربية والنفس على وجود علاقة وثيقة بين أنماط نمو الفرد وبين قدرته على تعلم اللغة الأجنبية، كما أن هناك فرقًا محسوبًا بين تعلم الصغير والكبير للغة الأجنبية، هذا الفرق ينبغي أن يراعى في المواد المقدمة لكل منهم وإذا كانت معرفة الخصائص النفسية لدارسي اللغة العربية من غير الناطقين بها تعد أساسًا من أسس إعداد كتبهم واختيارها، فإن المقام لا يسمح هنا باستعراض خصائص النمو لكل مرحلة، فلقد ذكر ذلك بإطناب في كتب علم النفس، ولكن الذي يعنينا هنا هو أن نعرف الدوافع التي تدفع المتعلمين لدراسة اللغة العربية لغير الناطقين بها.
تعرف الدافعية بأنها بمثابة حالة داخلية تستهل الكائن الحي وتوجه سلوكه، ومن ثمَّ فالدافع هو شعور داخلي يحدث لدى الفرد، ولا يمكن ملاحظته بصورة مباشرة، ولكن يمكن أن يستدل عليه من السلوك الظاهري.
وتؤدي الدوافع دورًا كبيرًا في تعلم أية لغة، فهي التي تجعل الدارسين يقبلون على تعلم اللغة التي يرغبون في تعلمها، كما وجد أن من أسباب نجاح الدارسين في تعلم لغة معينة هو وجود مجموعة من الدوافع وراء هذا النجاح فكلما كان وراء الدارس دافع يستحثه، وحافز يشده إلى تعلم شيء ما كان ذلك أدعى إلى إتمامه، وتحقيق الهدف منه ويقول فرانك مدلي: إن معرفة الحاجات والعوامل التي تدفع المتعلم لتعلم اللغة يمكن أن تحدد لنا أغراض تعليم اللغة كما تحدد لنا وسائل تحقيقها.
لذا يفرق الباحثون بين نوعين من الدوافع التي تستحث الدارسين على تعلم اللغة الثانية.
1- الدوافع الوسيلية.
2- الدوافع التكاملية.
إن الدارس الذي تحركه دوافع وسيلية لتعلم لغة ثانية معينة لا يتعلم هذه اللغة إلا لتحقيق هدف معين قصيرالمدى كأن يكون سعيًا وراء وظيفة أو رغبة في قضاء وقت يستمتع فيه بالسياحة أو استجابة لمتطلبات مقرر دراسي معين، أو استعدادًا للحصول على درجة علمية، أو حرصًا على امتلاك مهارة القراءة ليتصل بكتابات معينة، أو استجابة لشعائر دينية يلزمه أداؤها بهذه اللغة.
المهم في ذلك أن الدارس الذي توجهه مثل هذه الدوافع إنما يقتصر الأمر عنده على اكتساب القدر الذي يلزمه من هذه اللغة، وبالشكل الذي يحقق له هدفه ويشبع عنده حاجته، ويستوفي معه وسيلته.
أما الدارس الذي تحركه دوافع تكاملية لتعلم لغة ثانية معينة فإنما يتعلمها لا لقضاء مطلب عاجل أو لتحقيق غرض، أو لإشباع حاجة وظيفية معينة. إن الهدف الأسمى للدارس الذي تحركه دوافع تكاملية هو أن يتصل بمتحدثي هذه اللغة، يمارس لغتهم، ويفهم تقاليدهم، ويعيش ثقافتهم. إنه إنسان تدفعه الرغبة لأن يحقق بين ثقافته وثقافة الآخرين شيئًا من التكامل، ومثل هذا الدارس غالبًا ما يكون واسع الأفق، غزير الاطلاع، عميق التفكير، سمحًا في في تقبل الآخرين فلا يعوقه عن الاتصال بهم أفكار مسبقة أو اتجاهات مضادة، أو إحساس بالأفضلية، أو تعصب يعميه عن أن يرى فيهم خيرًا. إنه يحترم ثقافتهم، إن لم يتقبلها، ويؤمن أن أسلوبه في الحياة ليس هو الطريقة الوحيدة للعيش فيها، إن ثمة من الأساليب والطرائق ما يستوجب الاحترام إن لم يستأهل النقل والاستفادة.
وفي مجال تعليم اللغة العربية كلغة ثانية، يمكننا أن نجد أمثلة حية لهذين النوعين من الدوافع.
إن من بين من يتعلم هذه اللغة كلغة ثانية من يقوم بذلك تلبية لأغراض خاصة محدودة، تنتهي بانتهاء الحاجة إلى تعلم هذه اللغة أو ممارستها. فمنهم من يدرس هذه اللغة طمعًا في وظيفة في بلد عربي (كالعاملين بشركات البترول وغيرها) ومنهم من يدرسها من أجل ممارسة شعائر الدين الإسلامي كالصلاة، ومنهم من يدرسها لأغراض أخرى تجارية أو ثقافية أو سياسية، وهذه الأشكال المختلفة من الدوافع هي ما نطلق عليها بالدوافع الوسيلية أو الغرضية.
وعلى النقيض من ذلك نجد من بين متعلمي اللغة العربية كلغة ثانية من يدرسها لا لغرض قريب أو حاجة عاجلة أو مطلب وظيفي، وإنما يدرسها من أجل الاتصال بالإنسان العربي، ومعايشة ثقافته، إنه يريد أن يتعرف أبعاد هذه الثقافة العربية، وعلى شخصية الإنسان العربي قيمه واتجاهاته وميوله ودوافعهم، ويتسم أولئك الذين يتعلمون اللغة العربية من أجل هذا الهدف بأنهم بشكل عام، يحترمون الثقافة العربية، ويريدون معايشة أنماط من الثقافة الشرقية التي تختلف كثيرًا أو قليلاً عن أنماطهم الثقافية سواء في النظرة إلى الإنسان أو للكون أو للحياة.
إنَّ تعلم لغة ثانية أمر ليس باليسير وطريق ليس بالممهد، وإنما يتضمن من العمليات العقلية ومن أشكال الجهد والمعاناة ما يتطلب الصبر ويحتاج إلى المثابرة، ومن هنا تلعب الدوافع دورها في تعلم اللغة العربية وثقافتها، كما أن شدة الدافع لتعلم لغة ثانية يتوقف عليها نجاح الدارس في تعلمها.
إن دراسة دوافع الدارسين لتعلم اللغة العربية كلغة أجنبية يمكن أن تلعب دورًا مهما في:
1- ربط المقرر ومفرداته بما يمكن توقع حدوثه في حجرة الدراسة.
2- الاهتمام بوضع مقررات خاصة، تتضمن ترجمة حقيقية للأهداف التي وضعت في ضوء التحديد الموضوعي لدوافع الدارسين
3- تأكيد العلاقة التدريسية بين المعلم والدارسين من خلال تعرفه على دوافعهم
4- تحديد عمليات التدريس وإجراءاتها بما يتناسب مع المهارات التي يرغب الدارسون في اكتسابها، وتوجيه هذه العمليات والإجراءات نحو تحقيق الأهداف
5- تكييف مهارات التدريس عند المعلم مع طبيعة عمليات التدريس وإجراءاتها تلك التي تتناسب مع المهارات اللغوية المطلوبة للدارسين.
6- تعرف أفضل طرق إثارة دوافع الدارسين للتعلم والاحتفاظ بحماسهم، وذلك بربط هذه الطرق برغباتهم وأغراضهم.
وإذا كنا قد تحدثنا عن الدوافع وأهميتها في ميدان تعليم اللغة العربية كلغة أجنبية أو ثانية فإننا نجد أنفسنا أمام سؤال هو: كيف يمكننا التعرف على دوافع الدارسين للغة العربية كلغة أجنبية أو ثانية حتى يتسنى لنا اختيار الموضوعات المراد تدريسها التي تشبع هذه الدوافع؟! وللإجابة عن هذا السؤال نقول:
1- أن نستفيد من نتائج الدراسات النفسية والاجتماعية عن طبيعة النمو ومراحلها ومتطلباتها.
2- أن نقصد الطلاب أنفسهم ونسألهم عن دوافعهم وحاجاتهم من وراء تعلم اللغة العربية كلغة أجنبية أو ثانية، ففي عام 1979م قام " فتحي يونس" بدراسة كان من بين أهدافها معرفة الدوافع والأسباب التي تدفع الدارسين لتعلم اللغة العربية كلغة أجنبية في المستوى الأول، وقد كشفت نتائج هذه الدراسة عن أهم تلك الأسباب التي كانت وراء دافع تعلم هؤلاء الدارسين للغة العربية وهي:
أ- قراءة القرآن الكريم
ب- قراءة العلوم الإسلامية (فقه - توحيد - سيرة... إلخ)
ج- المقارنة بين الإسلام وغيره من الأديان
د- السفر إلى البلاد العربية للسياحة
هـ- العمل بالوطن العربي في الميادين المهنية.
والخلاصة أنه عند دوافع الدارسين ينبغي ألا نقتصر على وسيلة واحدة من الوسائل السابقة، بل يفضل الاسترشاد بآراء الخبراء والإفادة من نتائج الدراسات السابقة، وكذلك معرفتها من الطلاب أنفسهم، ومعرفة هذا تساعد المؤلف على تقديم مادته العلمية بما يناسب دوافع المتعلم؛ حيث يكون التعلم في مثل هذه الحالة ذا معنى، ومن ثمَّ يقبل المتعلم بشغف لأنه يلبي حاجاته ويناسب ميوله.
"سيكولوجية التعلم ونظريات التعلم" دار الكتاب الحديث - الكويت - 1995م، ص30.