التذكير والتأنيث .. دراسة في الأخطاء اللغوية التحريرية لطلاب المستوى المتقدم في معهد اللغة العربية بجامعة أم القرى

مقال منشور يدرس أخطاء الطلاب في التذكير والتأنيث، ويبين أهم أسباب وقوع الطلاب في ذلك.

المؤلف: د. جمعان بن ناجي السلمي المصدر: جامعة أم القرى التاريخ : 07/04/2020 المشاهدات : 3526

المحتوى


ملخص البحث

مشكلة التَّذكير والتَّأنيث إحدى المشكلات الكبرى التَّي تواجه دارسي اللغة العربية من غير الناطقين بها، وفي هذا البحث دراسة لهذه المشكلة، وهو في ثلاثة مباحث:

المبحث الأول عنوانه: أخطاء الطلاب في التَّذكير والتَّأنيث.

والمبحث الثاني كان بعنوان: التَّذكير والتَّأنيث في الكتاب الأساسي.

أما المبحث الثالث فهو: أسباب المشكلة وعلاجها.

وبعد دراسة أخطاء الطلاب، ودراسة المادة العلمية المقدمة لهم عن قضايا التَّذكير والتَّأنيث التَّي حواها الكتاب الأساسي، ظهر للباحث جليّاً أنَّ أهم أسباب المشكلة هي:

1- التداخل اللغوي، ونقل الخبرة من اللغة الأم.

2- أخطاء علمية في المنهج المقرَّر على الطلاب.

3- قصور في المنهج العلمي إذلم يتناول بعض قضايا التَّذكير والتَّأنيث.

4- صعوبة التَّفريق بين المذكر والمؤنث غير الحقيقيين.

وقد دعا الباحث إلى علاج هذه الأسباب بتصحيح الأخطاء واستدراك النقص، وتأليف معجم يضمّ ما تمسُّ الحاجة إليه من الأسماء التي تذكيرها أو تأنيثها غير حقيقي.

• • •

المقدمة:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده.

وبعد: فمعلوم أنَّ اللغة العربية تقسم الأسماء إلى قسمين لا ثالث لهما، هما: المذكر والمؤنث، وليس ثمة صعوبة في التَّمييز بين المذكر الحقيقي والمؤنث الحقيقي، لكن الصعوبة تكمن في التَّفريق بين ما هو غير حقيقي منهما، إذ لا سبيل إلى معرفته إلا بالسماع والحفظ.

وقد كان العرب أهل اللغة قادرين على التَّفريق بينهما بسهوله فلما أشرقت شمس الإسلام، ودخلت الأمم الأخرى في دين الله أفواجا، وأقبل الناس على تعلم لغة القرآن بدأ اللحن يظهر ويتفشى في اللسان، وقد كان من أقبح اللحن وأبشعه تذكير المؤنث أو تأنيث المذكر، وهذا النوع من اللحن يكاد يكون خاصاً بغير العرب، وقد شعر به الفصحاء إبّان ظهوره وتأذوا منه، فقال قائلهم يتضجر من لُكنة أم ولده:

أَوَّلُ ما أسمع منها في السَّحَرْ تذكيرها الأنثى وتأنيث الذَّكَرْ(1)

وأدرك علماء اللغة هذه المشكلة، وشعروا بصعوبتها فشرعوا في علاجها منذ عهد مبكر جداً بتأليف عددٍ من الرسائل والكتب في التَّفريق بين المذكر والمؤنث، ذكر منها الدكتور طارق نجم في مقدمته لتحقيق كتاب (المذكر والمؤنث لابن جني)، نقلا عن الدكتور رمضان عبد التَّواب (28) مؤلفاً، أولها كتاب أبي زكريا يحيى بن زياد الفراء، المتوفى سنة 207هـ، وآخرها كتاب أحمد بن أحمد بن محمد السجاعي الشافعي البدراوي المتوفى سنة 1197هـ (2)

ولا زال غير العربي يجد صعوبة في فهم التَّذكير والتَّأنيث نلمس ذلك جلياً واضحاً في لغة دارسي اللغة العربية من غير الناطقين بها في زماننا.

كما اعترف بذلك بعض من تعمق منهم في دراسة اللغة يقول برجشتراسر: " والتَّأنيث والتَّذكير من أغمض أبواب النحو ومسائلهما عديدة مشكلة، ولم يوفق المستشرقون إلى حلِّها حلاً جازماً، مع صرف الجهد الشديد في ذلك "(3).

ولمعهد اللغة العربية بجامعة أم القرى عناية بتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، إذ صدر عنه عدد من البحوث والدراسات المعنية بهذا الأمر كان منها كتاب بعنوان: " الأخطاء اللغوية التَّحريرية لطلاب المستوى المتقدم في معهد اللغة العربية بجامعة أم القرى "، وهو الإصدار الخامس في سلسلة دراسات في تعليم اللغة العربية.

وفي هذا الكتاب محاولة للاستفادة من نظريات علم اللغة التَّطبيقي،حُلِّلَتْ فيه أخطاء الطلاب الذين امتحنوا في المستوى المتقدِّم الأوَّل بقسم تعليم اللغة العربية في الفصل الدراسي الأوَّل من العام الجامعي 1402-1403هـ، بالإضافة إلى امتحان آخر مفاجئ أضيفت مادَّته إلى مادة الامتحان الأوَّل.

وكان عدد الطلاب الذين حُلِّلَتْ أخطاؤهم واحداً وسبعين طالباً، وَصُنِّفَتْ الأخطاء على النحو التَّالي:

أولا: الأخطاء الإملائية والصوتية.

ثانيا: الأخطاء الصرفية.

ثالثاً: الأخطاء النحوية.

رابعاً: الأخطاء الدلالية.

خامساً: أخطاء لم تصنف – وأخطاء متفرقات (4).

ثم صُنفت الأخطاء النحوية إلى: زمن الفعل – علامة الإعراب – حروف الجر – التَّذكير والتَّأنيث – التَّعريف والتَّنكير – إفراد ما يجب جمعه والعكس – العطف – إهمالك العائد في جملة الصلة(5).

وكان من نتائج ذلك العمل أنَّ الأخطاء في التَّذكير والتَّأنيث من الأخطاء التَّي تكاد تكون ظاهرةً عامة(6).

ونظراً لذلك رأيت أنْ أساهم بجهدي في دراسة هذه المشكلة فكان هذا البحث بعنوان: التَّذكير والتَّأنيث، دراسة في الأخطاء اللغوية التَّحريرية لطلاب المستوى المتقدم في معهد اللغة العربية بجامعة أم القرى. وجعلته في ثلاثة مباحث على النحو التَّالي:

المبحث الأول: أخطاء الطلاب في التَّذكير والتَّأنيث.

المبحث الثاني: التَّذكير والتَّأنيث في الكتاب الأساسي.

المبحث الثالث: أسباب المشكلة وعلاجها.

ثم ختمت البحث ببيان أهم نتائج الدراسة.

وفي الختام أحمد الله سبحانه وتعالى على نعمائه وأشكره على آلائه، وأسأله سبحانه أن يجعل جهدي هذا خالصاً لوجهه الكريم وأنْ ينفعني به يوم لا ينفع مال ولا بنون، إنَّه وليّ ذلك والقادر عليه.

المبحث الأول: أخطاء الطلاب في التَّذكير والتَّأنيث

بلغت أخطاء هذه العينة من الطلاب البالغ عددهم واحداً وسبعين طالباً (176) خطأ في التَّذكير والتَّأنيث، وُضِعَتْ في جدول حوى المنازل التَّالية:

 (رقم الورقة، الخطأ، الصواب، وصف الخطأ).

وقد تبين لي من دراسة الجدول وتتبع أرقام الأوراق أنَّ عدد الطلاب الذين أخطأوا في التَّذكير والتَّأنيث بلغ ثلاثة وخمسين طالباً.

وقبل دراسة أخطاء الطلاب ينبغي أنْ أشير إلى أنَّ المحلِّلين وقعوا في بعض الأخطاء هي:

1- 1- عدَّ المحللون العبارات التَّالية خطأ في التَّذكير والتَّأنيث ووُصِفَ الخطأ بأنَّه: تذكير الفعل حيث يقتضي السياق تأنيثه:

- حدث الحوادث.

- وكان الشوارع مسدودة.

- مرَّ الأيام وأنا أعيش.

- وظهر بعض المشاكل.

- مكة بلد يضاعف فيه الحسنات.

- نزل فيه سورة اقرأ.

- كما يفعل المملكة.

- وحينما انتهى الدراسة.

- ولما انتهى الدراسة.

- يبني الحكومة السعودية.(7)

وبالتَّأمل في هذه العبارات يظهر لنا بوضوح أنّ الفاعل فيها إمّا مؤنث مجازي التَّأنيث متأخر عن الفعل، أو جمع تكسير، أو جمع مؤنث سالم (مفرده مؤنث مجازي)، أو مضاف اكتسب التَّأنيث من المضاف إليه.

وفي كلِّ هذه الأحوال يجوز تأنيث الفعل وتذكيره (8)، وما دام الأمر كذلك فما قاله الطلاب صحيح موافق للقاعدة، ومن الخطأ نسبتهم إلى الخطأ.

1- 1- صُنِّفت العبارة التَّالية:"أماكن المقدسة كثير فيها " ضمن الأخطاء في عدم مطابقة الصفة الموصوف من حيث التَّذكير(9)، والصواب أنها من الأخطاء في عدم مطابقة الخبر المبتدأ من حيث التَّأنيث، وقد ذُكرت في هذا الموضع أيضاً(10).

2- 2- صُنِّفت العبارة الآتية: "إنه مكان مباركة " ضمن الأخطاء في عدم مطابقة الخبر المبتدأ من حيث التَّذكير (11)، والصواب أنَّها من الأخطاء في عدم مطابقة الصفة الموصوف من حيث التَّذكير، ولم تذكر في ذلك الموضع.

3- 3- صُنِّفت العبارة التَّالية: "أظن أنَّ اللغة العربية سهل" ضمن الأخطاء في عدم مطابقة الصفة الموصوف من حيث التَّأنيث (12)، وواضح أنَّها من الأخطاء في عدم المطابقة بين خبر (أنَّ) واسمها من حيث التَّأنيث، ولم تذكر في ذلك الموضع.

4- 4- صُنِّف قول الطالب: (له) في العبارة التَّالية: "الجبال العالي الذي لا مثيل له" ضمن الأخطاء في عدم مطابقة الصفة الموصوف من حيث التَّأنيث(13)، والصواب أنَّه من الأخطاء في تذكير الضمير حيث يقتضي السياق تأنيثه، ولم يذكر في ذلك الموضع.

وفيما يلي دراسة لأخطاء الطلاب حسب التَّصنيف الذي ارتضاه المحلِّلون:

1- 1- عدم مطابقة الصفة الموصوف من حيث التَّأنيث(14)، وفيه ثلاثة وستون خطأ، وبالتَّأمل في الأسماء الموصوفة في عبارات الطلاب يظهر لنا بوضوح أنَّ جميعها مؤنثات مجازية (15)، من تلك الأسماء: "النساء، الأماكن، مُنى، البلاد، الكتب الشمس …".

أما الصفات فهي في جميع العبارات صفات مفردة نحو:"المستضعفين، المقدَّس، المطير، الآخر، الشديد … ".

2- عدم مطابقة الصفة الموصوف من حيث التَّذكير (16) وفيه اثنان وثلاثون خطأ، وبتأمل هذا النوع من الأخطاء تأكد لي مالاحظته في النوع السابق، فالموضوعات هنا ليست مذكَّراً حقيقياً حتّى يسهل على الطالب معرفتها ومن ثمَّ المطابقة بينها وبين الصفات، ومن الموصوفات في هذا الصنف: "اللباس، بلد، سلام، العالم، المكان …"

أما الصفات فهي مفردة أيضاً، كالصفات في النوع السابق ومن أمثلتها:" مناسبة، الطيِّبة، تامة، التَّي، الإسلاميَّة … ".

3- تذكير الفعل حيث يقتضي السِّياق تأنيثه (17)، وفي هذا النوع ثمانية عشر خطأ، وقد بينت أنَّ عشراً من هذه العبارات صحيحة موافقة للقاعدة النحوية، ومن الخطأ نسبة الطلاب إلى الخطأ فيها(18).

أما العبارات الأخرى فإنَّ تأمُّلَها يظهر لنا أنَّ الفاعل في جميعها ليس مؤنثاً حقيقياً، وإنما هو مؤنث مجازي، أو ضمير يعود على مؤنث مجازي، ومن أمثلة ذلك العبارات التَّالية: "هؤلاء المواد يساعدنا، الحكومة يفتح أبواب، راية الإسلام يخفق … "

4- تأنيث الفعل حين يقتضي السياق تذكيره(19) وهنا عشرة أخطاء ويلاحظ أنَّ الفاعل ورد مذكراً حقيقياً أو ضميراً يعود على مذكر حقيقي، أو وصفاً لمذكر حقيقي في ثلاث عبارات هي: "الكعبة التَّي بناتها إبراهيم، وكل مسلم يتمنى أن تزور بيت الله الحرام، تأتي المسلمون من ديار بعيد".

أما العبارات السبع الأخرى فالفاعل فيها مذكر غير حقيقي، أو ضمير يعود على مذكر غير حقيقي، ومن أمثلة ذلك:"الوقت قد انتهت، تقع جبل ثور، وفيها بدأت نزول الوحي".

5- عدم مطابقة الخبر المبتدأ من حيث التَّأنيث(20)، وفي هذا النوع ستة أخطاء، وجميع المبتدآت هنا مؤنثات مجازية، هي:"الأشياء، معاملة، أخلاق، لغة، هذه المواد، الأماكن"، كما يلاحظ أنَّ الخبر مفرد في جميع العبارات، وألفاظ الخبر هي:"موجود، طيِّب، طيّب، العربي، متعب، كثير".

6- عدم مطابقة الخبر المبتدأ من حيث التَّذكير(21)، وذكر في هذا النوع خطآن، والحقيقة أنه خطأ واحد فقط، وهو في العبارة التَّالية:" كانت المعهد تابعة لكلية الشريعة "، أما العبارة الثانية فليست من هذا الباب، وقد سبق بيان ذلك(22)، والملاحظ هنا أنَّ المبتدأ – اسم كان – مذكر غير حقيقي، أما الخبر فمفرد.

7- تأنيث اسم الإشارة حيث يقتضي السياق تذكيره(23)، وفي هذا النوع ثلاثة عشر خطأ، وإذا تأملنا المشار إليه في جميعها وجدناه مذكَّراً غير حقيقي،ومن أمثلة ذلك: "اليوم، الاحتفال، معهد، المكان …".

8- تذكير اسم الإشارة حين يقتضي السياق تأنيثه(24)، وهنا سبعة أخطاء المشار إليه فيها جميعاً مؤنث مجازي، ومن أمثلة ذلك:"الدروس، المراجع، الأرض، الأشياء …".

9- تذكير الضمير حين يقتضي السياق تأنيثه(25)،وعدد الأخطاء هنا أحد عشر خطأ، وهنا لا يعود الضمير على مؤنث حقيقي إلا في مثالين فقط، أمّا بقيَّة الأمثلة فالضمير فيها يعود على مؤنثاتٍ مجازيَّة مثل: "الأماكن، دراسته، الصلاة، البقعة …".

10- تأنيث الضمير حين يقتضي السياق تذكيره(26)، وعدد الأخطاء هنا تسعة، ولا يعود الضمير على مذكر حقيقي إلا في مثال واحد فقط، أما بقيَّة الأمثلة فإن الضمير فيها يعود على مذكر غير حقيقي، مثل:"المكان، البلد، المستوى …".

11- تذكير العدد حيث يقتضي السياق تأنيثه (27)، وعدد الأخطاء هنا ثلاثة، والمعدود في جميع الأمثلة مذكر غير حقيقي، هو: "مستويات، أشهر، أقسام".

12- تأنيث العدد حين يقتضي السياق تذكيره(28)، وهنا خطأ واحد، المعدود فيه مؤنث مجازي، هو كلمة (سَنَةٍ).

13- عدم المطابقة بين خبر (أنَّ) واسمها من حيث التَّأنيث(29)، وفي هذا النوع خطأ واحد، والصواب أنَّهما خطآن(30) واسم (أنَّ) فيهما مؤنث مجازي هو كلمة "اللغة" في كلا المثالين، والذي أميل إليه هو جعل هذا الصنف من الأخطاء مع الصنف الخامس، وهو "عدم مطابقة الخبر المبتدأ من حيث التَّأنيث" لأنَّ المحلِّلين لم يفردوا خبر (كان) وجعلوه مع خبر المبتدأ(31)، فكان الأولى بهم أن يعاملوا خبر (أنَّ) معاملة خبر (كان).

وبعد هذه النظرة في أخطاء الطلاب حسب التَّصنيف الذي ارتضاه المحللون يظهر لنا بوضوح أن قضايا التَّذكير والتَّأنيث التَّي وقعت فيها أكثر أخطاء الطلاب، هي:

1- المطابقة بين الصفة المفردة والموصوف في التَّذكير والتَّأنيث.

2- دلالة اسم الإشارة على المذكر أو على المؤنث.

3- المطابقة بين الضمير العائد وما يعود عليه من مذكر أو مؤنث.

4- المطابقة بين الخبر المفرد والمبتدأ في التَّذكير والتَّأنيث.

5- تذكير الفعل أو تأنيثه.

ولو أعدنا النظر كرَّةً أخرى إلى أخطاء الطلاب وحاولنا تصنيفها تصنيفاً آخر، غير ذلك التَّصنيف الذي ارتضاه المحللون لخرجنا بالنتائج التَّالية:

1- عدد أخطاء الطلاب حين كان الاسم مذكراً حقيقياً، أو وصفاً لمذكر حقيقي، هو أربعة أخطاء.

2- عدد أخطاء الطلاب حين كان الاسم مؤنثاً حقيقياً اثنان فقط.

3- سائر الأخطاء وقع فيها الطلاب حين كان الاسم مذكراً غير حقيقي، أو مؤنَّثاً مجازيّاً.

وهذا يدل على أن المشكلة الكبرى التَّي تواجه الطلاب هي صعوبة التَّمييز بين المذكر والمؤنث غير الحقيقيين.

المبحث الثاني: التَّذكير والتَّأنيث في الكتاب الأساسي

الكتاب الأساسي هو الكتاب المقرر على جميع مستويات قسم تعليم اللغة بالمعهد، ويحوي جميع مواد اللغة العربية، وهو سلسلة أصدرها معهد اللغة العربية بجامعة أم القرى، في ستة أجزاء بعنوان:" تعليم العربية لغير الناطقين بها، الكتاب الأساسي ".

والجزء الأول من هذه السلسلة مقرر على طلاب المستوى الابتدائي الأوَّل، والجزء الثاني يدرسه طلاب المستوى الابتدائي الثاني، والجزء الثالث لطلاب المستوى المتوسط الأوَّل، والجزء الرابع لطلاب المستوى المتوسط الثاني، أما الجزء الخامس فهو مقرر على طلاب المستوى المتقدم الأوَّل، والجزء الأخير لطلاب المستوى المتقدم ا لثاني.

وفي هذا المبحث سأنظر في المادة العلمية المقدمة للطلاب في هذا الكتاب عن قضايا التَّذكير والتَّأنيث، لعلها تكشف لنا بعض أسباب كثرة أخطاء الطلاب في هذا الموضوع، وسأقصر دراستي هنا على الأجزاء: الثاني والثالث والرابع والقسم الثاني من الجزء الخامس فقط، وسبب ذلك أنَّ الجزء الأوَّل خلا من القواعد النحوية، وكذلك القسم الأول من الجزء الخامس، أما الجزء السادس فهو مقرر على طلاب المستوى المتقدم الثاني، والعينة التَّي حُلِّلَتْ أخطاؤها هم من الطلاب الذين أنهوا دراسة المستوى المتقدم الأوَّل أيْ أنَّهم درسوا جميع أجزاء الكتاب عدا السادس، لذلك لا ينبغي إدخال مادَّته العلمية في هذا البحث(32).

وقضايا التَّذكير والتَّأنيث التَّي وردت في الكتاب هي:

أولاً: تعريف المذكر والمؤنث، وبيان علامات التَّأنيث.

وقد درست هذه الأمور في المستويين الابتدائي الثاني والمتوسط الثاني ففي الابتدائي الثاني درس الطلاب القواعد التَّالية:

1- الاسم إما مذكر أو مؤنث.

2- المذكر: ما خلا من علامات التَّأنيث أو دلَّ على ذكر.

3- المؤنث: ما دلَّ على أنثى أو كانت به علامة تأنيث في آخره.

4- علامات التَّأنيث هي: التَّاء والألف المقصورة والألف الممدودة "(33)

أما المتوسط الثاني فدرسوا فيه القواعد التَّالية:

1- قد يكون المؤنث حقيقياً (يدل على أنثى وينتهي بالعلامة) وقد يكون مجازياً (يدل على أنثى ويخلو من العلامة)، وقد يكون لفظياً (يدل على ذكورة ولكنه ينتهي بالعلامة).

2- علامات التَّأنيث: تاء متحركة في الأسماء، وفي أول الفعل المضارع، وتاء ساكنة في آخر الفعل الماضي، ثم ألف التَّأنيث المقصورة، ثم ألف التَّأنيث الممدودة.

3- يعدّ الاسم مؤنثاً مجازياًّ إذا ظهرت التَّاء في فعله، أو في صورة مُصَغَّرِهِ، أو حُذفت من اسم عدده، أو عاد عليه ضمير المؤنث، أو أشير إليه بإشارة المؤنث.

4- التَّذكير والتَّأنيث في النحو لا يطابقان الذكورة والأنوثة في الطبيعة؛ لأنهما وسيلة من وسائل تصنيف مفردات اللغة لا الطبيعة "(34).

ثانياً: الضمائر المتصلة والمنفصلة، وبيان ما هو منها للمذكر، وما هو للمؤنث.

وقد درست هذه الأمور في المستوى الابتدائي الثاني(35) ثم في المستوى المتوسط الثاني(36).

ثالثاً: أسماء الإشارة، ودلالتَّها على التَّذكير والتَّأنيث.

ودرس هذا الموضوع في المستوى الابتدائي الثاني(37).

رابعاً: الأسماء الموصولة، ودلالتَّها على التَّذكير والتَّأنيث.

ودرس هذا الموضوع في المستوى المتوسط الأوَّل(38).

خامساً: تأنيث الفعل الماضي إذا كان نائب الفاعل مؤنثاً.

ودرس الطلاب فيه القاعدة التَّالية: " إذا كان نائب الفاعل مؤنثاً لحقت الفعل الذي قبله تاء ساكنة للتأنيث "(39).

سادساً: تذكير العدد وتأنيثه.

وقد دُرس هذا الموضوع في المستوى المتوسط الأول(40)، ثم أعيدت دراسته بتوسع في المستوى المتقدم الأوَّل(41).

سابعاً: ضمائر الربط المتصلة بجملة الخبر، وجملة الصفة، وجملة الحال، وكذلك المتصلة ببدل البعض من الكل وبدل الاشتمال، والمتصلة بألفاظ التَّوكيد المعنوي.

وقد دُرس بعض هذه الموضوعات في المستوى المتوسط الأوّل(42) ودُرس بعضها الآخر في المستوى المتقدم الأول(43).

وبعد دراسة هذه المادة العلمية وتأملها خرج الباحث بنتيجتين:

النتيجة الأولى: هي وجود بعض الأخطاء العلمية في الكتاب وتتلخص فيما يلي:

1- عُرِّف المذكَّر بأنه ما خلا من علامات التَّأنيث، أو دَلَّ على ذكر.

وعُرِّفَ المؤنَّث بأنَّه ما دَلَّ على أنثى، أو كان به علامة تأنيث في آخره(44).

وهذان التَّعريفان غير دقيقين، ولا يستطيع الطلب بهما التَّمييز بين المذكر والمؤنث فسيشكل عليه نحو (حمزة وطلحة) لوجود العلامة، كما سيشكل عليه نحو (يد وأرض) لخلوهما من العلامة.

والأحرى بنا أن نذكر في تعريف المذكر والمؤنث ما ذكره علماؤنا السابقون، فإنَّهم قسموا المذكر إلى قسمين هما:

مذكر حقيقي، وهو ما كان له فرج الذكَّر. ومذكر غير حقيقي، وهو مالم يكن له ذلك.

كما قسموا المؤنث إلى قسمين أيضاً:

مؤنث حقيقي وهو ما كان له فرج الأنثى. ومؤنث غير حقيقي، وهو مالم يكن له ذلك(45).

2- فُسِّر المؤنث الحقيقي بأنَّه يدل على أنثى وينتهي بالعلامة. وفُسِّر المؤنث المجازي بأنَّه يدل على أنثى ويخلو من العلامة، ومُثِّلَ له بهند ومريم ودعد وسعاد وزينب(46).

ولا يخفى ما في هذين القولين من الخطأ، فالمؤنث الحقيقي قد يخلو من العلامة كزينب وسعاد، والمؤنث المجازي قد تلحقه العلامة كشجرة وغرفة.

أما التَّمثيل للمؤنث المجازي بهند ومريم ودعد وسعاد وزينب فخطأ بيِّن.

3- قال المؤلفون:" يُعَدُّ الاسم مؤنثاً مجازياً إذا ظهرت التَّاء في فعله أو في صورة مُصَغَّرِهِ، أو حُذفت من اسم عدده، أو عاد عليه ضمير المؤنث، أو أشير إليه بإشارة المؤنث:(47).

قلت: هذه الأمور ليست خاصة بالمؤنث المجازي، بل هي مشتركة بينه وبين المؤنث الحقيقي.

4- قال المؤلفون:" التَّذكير والتَّأنيث في النحو لا يطابقان الذكورة والأنوثة في الطبيعة؛ لأنَّهما وسيلة من وسائل تصنيف اللغة لا الطبيعة "(48).

قلت: هذا تعميم خاطئ فالمطابقة بين النحو والطبيعة متحققة في المذكر والمؤنث الحقيقيين.

أما النتيجة الثانية: فهي ما في المادة العلمية من قصور، فقد أُهملت بعض قضايا التَّذكير والتَّأنيث المهمة ولم تدرس، وهي:

1- وجوب المطابقة في التَّذكير والتَّأنيث بين الخبر المفرد والمبتدأ.

2- وجوب المطابقة في التَّذكير والتَّأنيث بين النعت المفرد والمنعوت.

3- تذكير الفعل أو تأنيثه للفاعل.

نعم تحدث المنهج حديثاً مقتضباً عن تأنيث الفعل الماضي لنائب الفاعل، وكان الأولى أن يكون الكلام عن الفعل مع الفاعل، ثم يُبين أن نائب الفاعل يأخذ حكم الفاعل.

4- اكتساب المضاف من المضاف إليه التَّذكير أو التَّأنيث.

5- معاملة جمع التَّكسير، واسم الجمع، واسم الجنس معاملة المؤنث.

المبحث الثالث: أسباب المشكلة وعلاجها

 أولا: الأسباب.

ذكر الدكتور البدراوي زهران في تعقيبه على جدول تحليل الأخطاء ثلاثة أسباب لهذه المشكلة هي:

1- التَّداخل اللغوي، ونقل الخبرة من اللغة الأم إلى العربية.

2- المبالغة في التَّصويب، حيث إنَّ الطالب يريد أن يتفادى أخطاء هذه الظاهرة التَّي يدركها ويتفادى الوقوع فيها، فيقع فيها

3- قواعد خاصة باللغة العربية غير موجودة في لغات الدارسين تصعب عليهم(49).

ولم يحدد الدكتور البدراوي تلك القواعد الصعبة.

وهذه الأسباب هي أسباب عامة يذكرها المؤلفون في تحليل الأخطاء، ولا تخص هذه المشكلة وحدها، كما لا تخص دارسي اللغة العربية وحدهم، وإنما يشركهم فيها كل من درس لغة ثانية أيًّا كانت(50).

وقد أظهرت دراستي لأخطاء الطلاب والمنهج المقرر عليهم أن من أهم أسباب كثرة الأخطاء في التَّذكير والتَّأنيث ما يلي:

1- الأخطاء العلمية الواردة في الكتاب الأساسي التَّي سبق بيانها.

2- قصور المنهج المقرر حيث أُغفلت قضايا مهمة من قضايا التَّذكير والتَّأنيث، وسبق بيانها في ا لمبحث السابق.

3- صعوبة التَّفريق بين المذكر المجازي، والمؤنث المجازي.

وأنا أعتقد أن هذا السبب الأخير هو أهم الأسباب التَّي تؤدي إلى وقوع الطلاب في الخطأ، ودليل ذلك أنَّ أخطاءهم في المذكر والمؤنث الحقيقيين لا تكاد تذكر فهي ستة أخطاء فقط، وسائر الأخطاء وقعت عندما كان الاسم مذكراً أو مؤنثاً غير حقيقي.

ولعلّ ما ذكره الدكتور البدراوي من أخطاء المبالغة في التَّصويب يعود في جانب كبير منه إلى هذا السبب، وهو عدم القدرة على التَّفريق بين ما هو مذكر وما هو مؤنث من الأسماء التَّي تذكيرها أو تأنيثها ليس على وجه الحقيقة، فيتخبط الطلاب فيها على غير بصيرة، يؤنثون المذكر تارة، ويذكِّرون المؤنث أخرى، ولو ميَّز الطالب بين المذكَّر والمؤنث لاستطاع أنْ يعامل كل واحد منهما المعاملة اللائقة به من مطابقة، أو إشارة، أو عود ضمير، أو تذكير فعل أو تأنيثه.

ثانياً: العلاج.

أما وقد عرفت الأسباب فإن علاج هذه المشكلة يكون بمعالجة أسبابها، وقد ذكر الدكتور البدراوي أنَّ التَّداخل اللغوي ونقل الخبرة من اللغة الأم يكون علاجه بوضع تدريبات دقيقة يحلُّها التَّلاميذ تحت إشراف أستاذهم(51).

أمّا الأسباب الأخرى التَّي أظهرتها دراستي هذه فأرى أنَّ علاجها يكون بتصويب الأخطاء العلمية الواردة في المقرر وصياغة القاعدة بشكل صحيح، واستكمال النقص في المنهج بإعداد دروسٍ مع تدريباتها في موضوعات التَّذكير والتَّأنيث التَّي أهملت، وتضاف تلك الدروس إلى أماكنها في الكتاب الأساسي في طبعاته اللاحقة.

وأما التَّفريق بين المذكر المجازي، والمؤنث المجازي، فلا شك أنَّه أمر صعب ولا سبيل إلى معالجته إلا بسلوك الطريق الذي سلكه أسلافنا، رحمهم الله، لعلاج هذه المشكلة، عندما ألفوا الكتب والرسائل في المذكر والمؤنث، وبينوا فيها ما هو مذكر من الأسماء وما هو مؤنث، وما روي فيه التَّذكير والتَّأنيث، إذ لا سبيل إلى معرفة ذلك إلا بالرواية والحفظ.

وهنا أقترح أن يقوم المعهد بإعداد معجم للمذكر والمؤنث المجازيين، تحصى فيه كل الأسماء التَّي وردت في الكتاب الأساسي بجميع أجزائه ويستشهد على كل اسم بشاهد من القرآن الكريم أو الحديث الشريف، وإلا فمن كلام العرب، وتدفع لكل طالب نسخة من هذا المعجم تكون بين يديه، وتحت نظره.

كما أقترح أن تخصص بعض الحصص الدراسية في المستويات المتأخرة لقراءة هذا المعجم، ودراسته، والاستفادة منه.

وريثما يتم تأليف هذا المعجم، فإني أرى أنْ يُقَرَّرَ على الطلاب في المستوى الأخير من قسم تعليم اللغة، كتاب المذكر والمؤنث لأبي الفتح عثمان ابن جني. رحمه الله.

• • •

خاتمة البحث:

بعد دراسة أخطاء الطلاب في التَّذكير والتَّأنيث ودراسة المادة العلمية المقدمة لهم في هذا الموضوع ظهر للباحث النتائج التَّالية:

1- وجود أخطاء علمية في قواعد التَّذكير والتَّأنيث التَّي درسها الطلاب في الكتاب الأساسي.

2- قصور المنهج المقرر على الطلاب إذ لم يتعرض لبعض الموضوعات المهمة من قضايا التَّذكير والتَّأنيث.

3- أهم أسباب وقوع الطلاب في أخطاء التَّذكير والتَّأنيث هو صعوبة التَّمييز بين المذكر والمؤنث غير الحقيقيين.

الحواشي والتعليقات

(1) (1)البيان والتَّبيين 1/73.

(2) (2)- انظر المذكر والمؤنث لابن جني ص 23.

(3) (3)التَّطور النحوي ص 112.

(4) (4)الأخطاء اللغوية ص 97.

(5) (5)المصدر السابق ص 98.

(6) (6)المصدر السابق ص 129.

(7) (7)الأخطاء اللغوية ص 39،40.

(8) (8)انظر: شرح الكافية الشافية 2/595،919، وأوضح المسالك

 ص،242،385، والتَّصريح على التَّوضيح 1/277، 2/31، وحاشية الخضري على شرح ابن عقيل 1/162، 2/247.

(9) (9)انظر الأخطاء اللغوية ص 42.

(10) (10)انظر المصدر السابق ص 42.

(11) (11)انظر المصدر السابق ص 42.

(12) (12)انظر المصدر السابق ص 36.

(13) (13)انظر المصدر السابق ص 36.

(14) (14)انظر المصدر السابق ص35، وما بعدها.

(15) (15)من المؤنثات المجازية اسم الجنس، واسم الجمع، والجمع المكسر (انظر: التَّصريح على التَّوضيح 1/280).

(16) (16)انظر الأخطاء اللغوية ص 40،41،42.

(17) (17)انظر المصدر السابق ص 39،40.

(18) (18)انظر ص 884.

(19) (19)انظر الأخطاء اللغوية ص 43،44.

(20) (20)انظر المصدر السابق ص38.

(21) (21)انظر المصدر السابق ص 42.

(22) (22)انظر ص 884.

(23) (23)انظر الأخطاء اللغوية ص 43،42.

(24) (24)انظر المصدر السابق ص 39،38.

(25) (25)انظر المصدر السابق ص 39.

(26) (26)انظر المصدر السابق ص 43.

(27) (27)انظر المصدر السابق ص 39.

(28) (28)انظر المصدر السابق ص 43.

(29) (29)انظر المصدر السابق ص 39.

(30) (30)انظر ص 884.

(31) (31)انظر الأخطاء اللغوية ص 42.

(32) (32)بالاطلاع على هذا الجزء ظهر أنَّه لا يحوي شيئاً من قضايا التَّذكير والتَّأنيث

(33) (33)الكتاب الأساسي 2/165.

(34) (34)المصدر السابق 4/108.

(35) (35)انظر المصدر السابق 2/282،253.

(36) (36)انظر المصدر السابق 4/70.

التعليقات

  • قياس الثنائية اللغوية وتوظيفه في تعليم اللغة الثانية
    قياس الثنائية اللغوية وتوظيفه في تعليم اللغة الثانية

    بحث يهدف إلى معرفة طرقة قياس الثنائية اللغوية وتطبيقه في تعليم اللغة الثانية، كما بحث في نوع الاختبارات المتوازية، وعرض أهمية القياس في تعليم اللغة الثانية لأغراض التقييم الذاتي.

  • محطات الإعجاز القرآني وأنواعه
    محطات الإعجاز القرآني وأنواعه

    يعرض المقال محطات إعجازية من القرآن الكريم، بالإضافة إلى عرض لما يدور على هذا المستوى من الكلام.

  • علم العروض والقافية
    علم العروض والقافية

    يعرض الكتاب قضايا علم العروض على نحو يسير، ملمًّا بأهم مصطلحاته وجوانبه التي لها أثر في الموسيقى.

  • اللغة العربية وما تعانيه
    اللغة العربية وما تعانيه

    كلمات في الأزمات التي تعانيها اللغة العربية، وما يجب على العربي والمسلم فعله كي يحافظ على لغته.

  • العربية لغة الإيجاز والإعجاز
    العربية لغة الإيجاز والإعجاز

    كلمات في إعجاز القرآن الكريم وإيجازه، وهي في أصلها محاضرة ألقاها الباحث، وتركز على مزية الإيجاز في اللغة العربية والإعجاز فيه.

  • أثر اللغة العربية في اللغة الألبانية
    أثر اللغة العربية في اللغة الألبانية

    يبحث المقال في التواصل الحضاري بين الشعوب، ويسط الضوء على أثر اللغة العربية في اللغة الألبانية، مستشهدًا بالأدلة والأمثلة.