التعدد اللغوي وأثره في تعليم وتعلم الفصحى

مقال يبرز ظاهر الازدواجية اللغوية وأثرها في تدريس اللغة العربية الفصحى.

المؤلف: مجموعة مؤلفين المصدر: خاص التاريخ : 07/04/2020 المشاهدات : 1986

المحتوى

1- تقديم:

الهدف المتوخى من هذا الباب هو إبراز ظاهرة الازدواجية اللغوية وأثرها في تدريس اللغة العربية الفصحى، وطرح بعض الإشكاليات التي تعتور أسلوب التعلم.

2- إشكالية مصطلح التعدد:

قد تتفق المعاجم اللسانية على أن التعدد اللغوي عبارة عن استعمال لغات عديدة داخل مؤسسة اجتماعية معينة. 

وفي القاموس: نصف متكلما ما بأنه شخص متعدد اللغات إذا كان يستعمل داخل جماعة معينة ولأغراض تواصلية مجموعة من اللغات، أما عن مصطلح التعدد اللغوي فإن الباحثين اللسانيين يدرجونه ضمن علم الاجتماع اللغوي، ويحتمل كون هذه الازدواجية لها تأثير على عملية تعليم اللغة العربية الفصحى.

3- تداخل اللغة العربية الفصحى ببعض اللهجات:

تعتبر اللغة العربية لغة قديمة يعود تاريخها إلى حقب غابرة، وهي تلك اللغة التي يمكن أن تعرف بقول الباقلاني: << أشعار أهل الجاهلية وكلام الفصحاء، والحكماء من العرب>>[1].

إن اللغة الفصحى تعد لغة فنية خالصة، وتعلو بما لها من طبيعة مميزة عن كل اللهجات، غير أنها إذ تجري على ألسنة المتحدثين بهذه اللهجات فإنها لم تخل من تأثير تلك اللهجات فيها باستمرار، ولعلها اختلفت من جهة أخرى تبعا لذاك، ويقول أحمد الجندي: <<تقتضي نواميس اللغات أنه متى انتشرت اللغة في مناطق واسعة من الأرض، وتكلم بها طوائف مختلفة من الناس استحال عليها الاحتفاظ بوحدتها الأولى أمدا طويلا>>[2]، وهذا انطبق على اللغة العربية عند انتشارها، فقد انشعبت إلى لهجات، واتخذت كل لهجة منهجا خاصا بها تحت تأثير ظروفها الخاصة بها، ورغم ذلك بقيت اللغة العربية لغة علم وثقافة، وفن رفيع. لكن لماذا أهملت وتدهور حالها؟.. هناك أمور كثيرة وراء هذا الإهمال، ولعل أهمها: التزاوج اللغوي، أو الازدواجية اللغوية، أو التداخل اللغوي. 

أ)- تأثير اللهجة العامية في الفصحى: الكلام الفصيح فعلان: أحدهما بالنسبة إلى اللفظ، والثاني بالنسبة إلى المتكلم، إلا أن الأول أخص من الثاني، لأن العربي الفصيح قد يتكلم بلفظة لا تعد فصيحة.

أما عن معنى: الفصيح، فقد جاء في المزهر: معنى الفصيح، قال الراغب في مفرداته: الفصح : خلوص الشيء مما يشوبه، وأصله في اللبن، يقال: فصح اللبن، وأفصح فهو فصيح ومفصح: إذا تعرى من الرغوة، ولذا قال الشاعر: <<تحت الرغوة اللبن الفصيح>>، ومنه استعير ك فصح الرجل: جادت لغته وأفصح تكلم بالعربية[3]

أما مدار الفصاحة في الكلمة ، فهو كثرة استعمال العرب لها، وقد تتعدد أوجه الفصاحة في المفرد، مثلا: خلوصه من تنافر الحروف، ومن الغرابة ومن مخالفة القياس اللغوي.

ويقصد بالفصيح عموما، أن يكون اللفظ على ألسنة الفصحاء الموثوق بعربيتهم أدور، واستعمالهم أكثر.

وإذا كان البحث عن كنه الفصحى صعبا، فإن دراسة اللهجة كيفما كانت أصعب بكثير. لأن دراسة اللهجة والكشف عن أسرارها ونسبتها ليس بالأمر الهين، لأنه لا بد قبل البدء من جمع المادة، وهذا الجمع يتطلب جهودا عظيمة، وإذا تم جمع المادة تبدأ مرحلة المقارنة واستنباط القوانين التي خضعت وتخضع لها تلك اللهجة وقوانين تطورها، ثم التفاعل مع مكوناتها التركيبية، وأخيرا مقارنتها باللغة الأم

 واللهجة اصطلاحا: << هي مجموعة من الصفات اللغوية تنتمي إلى بيئة خاصة، ويشترك في هذه الصفات جميع أفراد هذه البيئة>>[4]، وبيئة اللهجة هي جزء من بيئة أوسع، تشمل عدة لهجات لكل منها خصائصها، لكنها تشترك جميعها في مجموعة من الظواهر اللغوية التي تيسر اتصال أفراد هذه البيئات بعضهم ببعض، وهناك عاملان يرد إليهما تكون اللهجات وهما

- الانعزال بين بيئات الشعب الواحد.

- الصراع اللغوي نتيجة غزو أو هجرات وأهم مظهر يميز اللهجة المغربية هو بدء كلماتها بالأصوات الساكنة، وإذا رجعنا إلى العربية الأم وجدنا أن هذه العربية إحدى اللغات السامية.

وأصول كلمات هذه اللغات تتألف غالبا من ثلاثة أصوات ساكنة (ش - ر - ب) ومن هذا الأصل تشتق كلمات من مثل: ( شرب - شارب) ........

ولا يقتصر الأمر على العامية المغربية بل جميع لهجات العالم العربي، ففي مقال(الأدب والثقافة) سئل عبد الله الطيب: هل هناك وسيلة لوقف انتشار العامية الواسع؟، فكان جوابه: <<النوع الحديث من العامية بعضه مترجم، وبعضه مأخوذ من الألفاظ الدائرة والمتداولة في المدن، لكن الخطورة أنها تغلغلت داخل الأجهزة الرسمية الإعلامية، وقتلت اللغات العامية الأخرى القديمة التي هي في كثير من الأحيان غنية بالألفاظ المعبرة، وقريبة من اللغة العربية الحديثة، وتحمل روح أصالة اللغة العربية الفصحى، ولا أستثني بلدا عربيا، فهي في هذا تكاد تكون سواء، فجميعها توجد اللغة الأصلية القديمة، لكن اللغة العامية الحديثة المروجة الآن والتي يدعي أصحابها أنهم فئة مثقفة، بحجة أنهم سيعملون الأسلوب السهل الممتنع، هي لغة ضحلة جدا من الناحية اللغوية>>[5].

ب)- الدواعي التي ادت إلى ظهور العامية:

الدواعي التي أدت إلى بروز العامية نجملها فما يأتي:

- الجانب العرقي: الذي يتمثل في الاختلافات الإثنية بين سكان المناطق.

- العامل الجغرافي: مرده استقلال المناطق والبلدان في حدود جغرافية طبيعية أو مصطنعة .

- العامل الثقافي: الناتج عن اختلاف الثقافات وتداخل اللغات المجاورة بعضها ببعض.  

ج - العامية ومجال التعليم:

تقوم التربية الحديثة على المبادئ المستمدة من الدراسات النفسية الحديثة، وتمتاز بالشمول والموضوعية، حيث تتناول جسم الطفل وعقله وروحه ونفسه، حتى تشب شخصيته ناضجة متكاملة.

أما القدماء، فقد كان لهم مذهب في التعليم، أشار إليه ابن خلدون في (المقدمة)، بقوله:

ووجه التعليم لمن يبتغي ملكة اللغة ويدوم تحصيلها إلى أن أخذ نفسه بحفظ كلام العرب القديم الجاري على أساليبهم من القرآن والسنة وكلام السلف ومخاطبة فحول العرب في أسجاعهم وأشعارهم وكلمات المولدين في سائر فنونهم، حتى يتنزل لكثرة حفظه لكلامهم منزلة من نشأ بينهم ومنزلة من لقن العبارة عن المقاصد منهم، وعلى قدر المحفوظ وكثرة الاستعمال تكون جودة العبارة المصنوعة نظما ونثرا>. 

 إن التعبير اللغوي الفصيح لا بد له من مهارة وتدريب، والعامية كلهجة تفتقد إلى تلك المهارة وذلك الانسجام والسبك المحكم في تعابيرها، فلكي يملك الشخص من الفصاحة الحظ الوافر عليه أن يتجنب العامية في كتاباته، لأن هذه اللهجة لا يسمح باستعمالها، ولا بالتدريس بها.   

د - تداخل الفصحى بالبربرية:

إن تعلم ما يتأثر تأثرا بالغا بالمحيط اللساني الذي يتم فيه هذا التعلم، لأنه مهما طال زمن التدريس لدى المتعلم للغة العربية الفصحى، فإنه يعد مضي مرحلة معينة، تكون أغلب إنتاجا ته انعكاسا للمحيط اللغوي والطبيعي الذي عاش فيه الشخص، وهذا يصدق بنسبة كبيرة على الشخص المتعلم الذي غالبا ما تكون إنتاجا ته التعبيرية ممتزجة بلغتين أو أكثر، حسب المحيط اللساني الذي يعيش فيه كما هو الشأن لتأثير اللهجة البربرية في اللغة العربية الفصحى.

لا ننكر أن الأمازيغية تحتوي على بنى تركيبية، تتقاسمها مع اللغات الأخرى، أو ما يمكن تسميته بالسمات الكونية حسب نعوم تشومسكي، لكن رغم هذا فهناك فوارق داخل الشقين، لأن المطابقة الحقيقية بين لغة وأخرى يعني تطابق عنصرين أو عدة عناصر: الجنس والعدد، والتعريف والتنكير[6].

وفي المجال التطبيقي يظهر أن الإشكال بين اللغتين فيما يلي:

  • بين الفعل والفاعل: فالفعل يفترض وجود فاعل يدخل معه في علاقة عامل بمعموله، ويتطلب تطابقا على مستوى الجنس والعدد. ففي العربية هناك حالتان تختلف معهما وضعية المطابقة، خصوصا في الجملة الاسمية: (الأولاد دخلوا - البنات دخلن - الولدان دخلا) .
  • ارفتونت تغرين س سوق تذهب النساء إلى السوق، (نت) علامة مؤنث السالم
  • تمغرين ارفتونت س سوق النساء تذهبن إلى السوق.
  • كشمن إفرخان دخلوا الأولاد .
  • إفرخان كشمن أولاد دخلوا.

أما على مستوى الجملة الفعلية(دخل الأولاد - دخلت البنات - دخل الولدان)، فبخصوص هذه الظاهرة النحوية نجد أن النحاة العرب انقسموا بشأنها شقين، وشكلوا رأيين مختلفين:

الرأي الأول: ويشكل الأغلبية، يرى أن جملة(دخلوا الأولاد) ليست نحوية لعدم وجود فاعلين في نفس الجملة، وقد اعترض بعض النحاة على هذا الرأي حيث اعتبروا الواو في (دخلوا) للجمع وليس فاعلا، فإذا كانت قواعد اللغة العربية تمنع من ورود مثل هذه التراكيب، فما هو مصدر هذه الأخطاء التي ترد بكثرة في كتابات ومشافهات المتعلمين.؟، من مثل: (يعملون التلاميذ) فهذه البنية وغيرها تخرق قاعدة المطابقة بين الفعل والفاعل، وبعض الباحثين يرجع هذا إلى تأثير لغة الأم، ولعل ما يؤكد كون اللهجة الأمازيغية تتضمن بناها التركيبية هذا النوع من البنيات ما يلي:

فاللهجة الأمازيغية لا تميز بين الجملة الفعلية عن الاسمية رغم أنها تحافظ على قيد المطابقة في كلتي الحالتين، فاقترنت الأفعال جميعها بعلامة(نـــ) فهناك من يعتبر هذه العلامة دلالة على التعدد فقط، وليست ضمير فاعل نظرا لوجود الفاعل في جميع البنيات التركيبية: (إفرخان- تمغرين)، لذا فهذا النظام لا يلغي المطابقة بين الفعل والفاعل في الجنس والعدد.

إن هذا الالتباس في تصنيف دور اللاحقة بين اللغتين العربية والأمازيغية يدفع المتعلمين إلى ارتكاب أخطاء لغوية، مما يوضح أكثر نتائج التداخل اللغوي في إفراز هذه الانحرافات

4- تأثير الفرنسية في العربية الفصحى:

إن اللغة الفرنسية غزت بكل خصوصياتها الدرس اللغوي بالمغرب، وكذلك البيت المغربي، وفرضت نفسها على مصالح الحكومة ودواوينها، وكانت أساسا لتعليم كثير من مواد الدراسة في المدارس الرسمية، مما أدى إلى تشويه كثير من الكتابات العربية وجعلها تفقد كثيرا من مصداقيتها خاصة في صفوف المتعلمين، حيث استفحلت الأخطاء داخل الكتابات و مرد ذلك التأثير الفرنسي، فعن طريق تلامذة المدارس تسرب كثير من ألفاظ الفرنسية إلى العربية، وقد سعت المملكة المغربية إلى نفض غبار الاستعمار اللغوي عن كاهلها، فقررت التعريب سنة 1973 ولكن باحتشام كبير، وتقول بعض الجرائد المغربية الناطقة بالفرنسية: <<إن اللغة العربية لغتنا ويجب أن تكون لغة الإدارة والمدرسة، وكل القطاعات في الحياة العامة، يجب أن نلتزم ابتداء من الآن أن لا نتكلم في بيوتنا وفي أي مكان وجدنا فيه إلا اللغة العربية، لغة ديننا، ويجب أن نرفض كل مراسلة كيفما كانت إدارية أو خاصة، غير مكتوبة باللغة العربية، ولا يجب أن يوقع أي عقد أو محضر مكتوب من طرف الشرطة أو الدرك إذا لم يكن محررا بالعربية>>[7].

ولكن رغم كل هذا مازال التعليم الجامعي بالفرنسية(المواد العلمية) وكذلك في كثير من المعاهد والمراكز الدراسية، وبقي التعريب سياسة ترقيعية.

5- تأثير الإسبانية في العربية الفصحى:

تأثير اللغة الإسبانية في العربية لم يكن بمحض إرادة الشعب وإنما نجد السلطات الإسبانية، وباعتمادها وسائل ديداكتيكية حاولت نهج مختلف الوسائل لمحاربة الثقافة العربية، وتعويضها بالإسبانية التي دعمتها ماديا ومعنويا، وتعليمها بطرق جذابة ومشوقة لتنتشر وتعم جميع أنحاء البلاد، فانعكس ذلك سلبا على الدرس اللغوي المغربي وعلى ألسنة المغاربة عامة.

التداخلات اللغوية وأثرها في تعليم اللغة :

أصبح مشكل التداخلات اللغوية من المشاكل التي تسترعي اهتمام المختصين في تعليم اللغة في السنوات الأخيرة.

والغرض من علم اللغة التقابليLa linguistique contrastive هو إلقاء الأضواء على نقط التباين والتقارب بين بنيات اللغات المقارنة وذلك للتركيز عليها بالخصوص عند التطبيق البيداغوجي، ولقد تبين للاختصاصيين في تدريس اللغات أن اللغة الأم تؤثر بكيفية ملحوظة وعميقة في عملية تعلم اللغة.

إن اللغة الأم في عقل التلميذ، بصمات لا تمحى ولهذا يتحتم على كل مدرس أن يعطي هذه البصمات كل ما تستحقه من عناية/ وأن يتساءل:

ما هي النقط المشتركة بين اللغة الأولى والثانية.

- كيف تحل اللغة الأم للتلميذ هذا المشكل الفونولوجي أو الصرفي أو النحوي؟

- كيف وأين ومتى تعاكس اللغة الأم تعلم التلميذ للغة؟.

ذلك أن العادات اللغوية المترسخة لدى التلميذ تعاكسه فعلا عند تعلمه لغة ثانية، وتعد فعلا معينا لا ينضب من المشاكل أو التداخلات اللغوية، على أن هذه العادات يمكن أن تلعب دورا إيجابيا أثناء عملية التدريس فتساعد التلميذ على تعلم اللغة المدروسة بكل سهولة، فاللغة الأم مهما اختلفت عن اللغة الثانية فإنها هي التي كونت العالم اللغوي للتلميذ، وهي التي جعلته يتعود على بنيات اللغة، ويقع التداخل اللغوي على مستويين حسب الأستاذة " كلر:

- مستوى الكلمات "المونمات" أو ما يسميه "مارتيني" التمفصل الأول،، وهنا نجد بعض الظواهر كظاهرة الأخذ L’emprunt أي أخذ كلمة من لغة وإدخالها إلى أخرى، وهناك كذلك الترجمة الحرفيةle calque وهي إدخال كلمة أو عبارة أجنبية إلى لغتنا.

- مستوى الأصوات"الفونيمات" أو الصوتمات، وتدخل الأصوات في إطار ما يسميه مارتيني ب"التمفصل المزدوج"، ويلعب التداخل اللغوي هنا دورا مهما في إخراج الأصوات وكيفية تعاملها مع بعضها.

المراجع

1] –{ أنيس،( ابراهيم)، في اللهجات العربية، مكتبة الأنجلو المصرية، ص: 18

[2] - الجندي،( أحمد علم الدين)، اللهجات العربية في التراث، الدار العربية للكتاب، ليبيا/تونس، 1978، ص: 129

[3] - السيوطي،( عبد الرحمان جلال الدين)، المزهر في علوم اللغة)، المجلد1، شرحه وطبعه محمد أبو الفضل وآخرون، دار الفكر، ص: 184

[4] - أنيس،(ابراهيم)، المرجع السابق، ص: 16

[5] - مجلة الوعي الإسلامي، العدد 381، الجمعة ذو القعدة، 1992 ، ص: 100 [6] - الفاسي الفهري،( عبد القادر)، اللسانيات واللغة العربية، ج1، ص: 132 [7] - L’opinion du 5 Janvier 1973

التعليقات