أثر اللغة العربية في اللغة الفارسية

يبحث المقال في تاريخ دخول العرب إلى بلاد فارس، وكيف كتب الفرس بالخط العربي، وتأثير اللغة العربية باللغة الفارسية.

المؤلف: د. أنور محمود زناتي المصدر: الألوكة التاريخ : 09/05/2023 المشاهدات : 615

المحتوى

التواصل الحضاري بين الشعوب

أثر اللغة العربية في اللغة الفارسية

دخل العرب بلاد فارس سنة 30 هـ - 651 م بعد مقتل يزدجر الثالث في وقعة نهاوند التي سميت فتح الفتوح  وقد انتشر الإسلام في ربوع إيران انتشاراً سريعاً وأسلم كثير من الفرس في مدة وجيزة وبانتشار الإسلام انتشرت العربية في أنحاء إيران وأصبحت اللغة البهلوية وخطها مهجورين لأن البهلوية ارتبطت في أذهان الفرس المسلمين بالديانة الزرادشتية فنفروا منها، كما ان الكتابة البهلوية لم تكن شائعة بين الفرس بل كانت محصورة في طبقة خاصة منهم هي طبقة الكتاب وهذا العامل سهل على الفرس هجرها واستعمال الكتابة العربية الجديدة.

وقد مرت العلاقات اللغوية ومسار التأثير المتبادل بين اللغتين العربية والفارسية بمراحل عديدة، وحالات مختلفة من التطور والتكامل، نتج عن ذلك تراث إنساني خصب وزاخر بالحيويّة والعطاء، بعد أن سرى التأثير في مختلف مناحي اللغتين: ألفاظاً، وجملاً، وخيالاً وتعبيراً .

وتكتب اللغة الفارسية بالحرف العربي، وقد اهتم الفرس بهذا الخط بعد أن صارت تكتب به لغتهم، وابتكروا أنواعاً جديدة من الخطوط العربية وقد كان لدراسة اللغة العربية وأدبها شأن عظيم في إيران منذ العصور الأولى للإسلام لكونها لغة الدين ولغة الدولة، وكانت اللغة العربية تُدرَّس في مختلف المستويات من الكُتَّاب إلى المدارس العليا وكان يهتم بها طلبة علوم الدين المرشحون للمناصب الحكومية من الكُتاب والعمال وكان الكُتاب في الغالب على جانب كبير من الثقافة الأدبية العربية بمقتضي مهنتهم .

والعجيب أن الفارسية احتوت على كثير من الألفاظ العربية، فمن الباحثين من أحصى عدد المفردات العربية في بعض نصوص كتب التراث الفارسي، فقال: «إن في الصفحة الأولى من (تاريخ البيهقي) استخدم الكاتب مئة وخمساً من الكلمات العربية، من مئتين وستة وخمسين كلمة فارسية في الصفحة الواحدة». 

ويرى الدكتور محمد نور عبد المنعم في كتابه «اللغة الفارسية» أن مؤلف كتاب «قابوسنامه» أورد: ثماني عشرة كلمة من مئة وعشرين كلمة فارسية. ومنهم من أحصى اثنين وأربعين كلمة عربية في نص واحد، في إحدى خُطب شاه إيران من مئة وعشرين كلمة فارسية.

ويؤكد العلامة حسين مجيب المصري أن كثرة الألفاظ العربية في الفارسية شيء مُلاحظ في النصوص القديمة والحديثة على حد سواء، إن هذه الكثرة تتفاوت، كما أن هذه الألفاظ منها ما دلّ على معنى جديد، لم يكن في العربية، أو منها ما استخدِم بمعناه في العربية، وفي الإمكان متابعة هذه الألفاظ العربية في تزايدها في الفارسية على امتداد القرون[1].

إن اللغة الفارسية الجديدة وان أصبحت لغة الفرس القومية إلا إنها مع ذلك عاشت مع العربية جنباً إلى جنب في تآلف وتعاون وتفاعل وقد أثرت كل منهما في الأخرى وتفاعلت معها، وقد أدت هذه العلاقات الواسعة بين العرب والفرس إلى انتشار لغتيهما وتبادل التأثير فيما بينهم.

ويمكن القول إن الفارسية اليوم تشتمل على ما يقرب من 60 % كلمات عربية الأصل، وكان احتواء الفارسية على العديد من المفردات والمصطلحات العربية، جعل الفرس يلتزمون كثيراً من قواعد الصرف والنحو العربية كي يفهموا أصول تلك المفردات واشتقاقاتها، وتقوم قواعد العروض والبلاغة وبحور الشعر الفارسي على الأوزان وبحور الشعر نفسها، كما أن البلاغة ومصطلحاتها مأخوذة من مثيلاتها العربية وهذا ما يؤكد قوة اللغة العربية وقوة تأثيرها، وقدرتها على التعبير[2].

المراجع


[1] راجع صلاح حسن رشيد: التلاقح الحضاري بين العرب والشعوب الإسلامية، موقع الراصد التنويري

[2] راجع، محمد نور الدين عبد المنعم: معجم الألفاظ العربية في اللغة الفارسية، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 2005.


التعليقات

  • اكتساب اللغة الثانية
    اكتساب اللغة الثانية

    كتاب يعالج الطرق التي يتم بها تعلم اللغات الثانية.

  • اللغة العربية أيام المماليك والعثمانيين إلى سنة 1220هجرية
    اللغة العربية أيام المماليك والعثمانيين إلى سنة 1220هجرية

    يسلط المقال الضوء على تاريخ اللغة العربية في حقبة تاريخية مهمة، وانتشار الوعي العربي في بداية القرن الماضي، وعمل الجميع على إحياء لغتهم.

  • اللغة العربية أيام العباسيين
    اللغة العربية أيام العباسيين

    يبحث المقال في ازدهار اللغة العربية في العصر العباسي، واهتمام العباسيين بالعلم ونشره، وما اخترعه العرب في تلك الحقبة.

  • اللغة العربية بالمغرب والأندلس
    اللغة العربية بالمغرب والأندلس

    مقال يسلط الضوء على الجهود اللغوية التي قام بها العرب في المغرب والأندلس لتمكين ونشر اللغة العربية، وما انتشر من الحضارة العربية في تلك البلاد.

  • معجم السفر والارتحال عند العامة
    معجم السفر والارتحال عند العامة

    معجم يتضمن ما ورد على ألسنة العامة من أمثال ومصطلحات أثناء سفرهم وارتحالهم وشرح تلك الأمثال، مع ذكر الأشعار والآثار المتعلقة بها.

  • في اللهجات العربية
    في اللهجات العربية

    اعتمد المؤلف في كتابه هذا على المشهور من روايات الأقدمين، وفيه يتحدث المؤلف عن اللهجة، واللغة واللهجات قبل الإسلام، والقراءات واللهجات، وعناصر اللهجات العربية وقبائلها، وعنصري الدلالة والبنية في اللهجات، والترادف والاشتراك اللفظي والتضاد.