الطريقـة المثلى لتعليم اللغـة العربيـة لغير الناطقين بهـا

مقال يسلط الضوء على حقيقة اللغة، ومعايير اختيارها في التعليم، بالإضافة إلى مراعاة أهداف المتعلمين، والتخطيط المنهجي في التعليم.

المؤلف: محي الدين الألوائي المصدر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة التاريخ : 07/04/2020 المشاهدات : 2272

المحتوى

حقيقة اللغـة:

إن اللغة نعمة الله العظمى، وميزة الإنسان الكبرى، ولها قيمتها في جميع مجالات الحياة البشرية، وهي الخاصية التي تميز بها الإنسان عن سائر الحيوان، ولو أن البعض قد عدها وسيلة فإنها في الحقيقة غاية تدرس لذاتها بمناهجها وقواعدها لأنها وعاء الأفكار بل هي جزء منها وربطت بين الفكر والعمل، ومن عناصرها: التفكير والصوت، والتعبير عن الفكر الداخلي والعمل الخارجي، وبفضل هذه النعمة قد أصبح الإنسان كائنا مثاليا على وجه الأرض.

فاللغة بمفهومها الحقيقي من خصائص الإنسان، ولكنا نقرأ ونسمع عن لغات كثيرة لمخلوقات أخرى مثل:

لغات النمل والطيور والحيوان والأسماك وغيرها، وجاء في القرآن الكريم إشارة لبعض هذه اللغات، حيث حكى عن نملة سليمان عليه السلام: {قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا…} وقوله تعالى عن الهدهد وسليمان: {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ}.

وهذا يدل على أن لمخلوقات الله الأخرى لغات تتخاطب بها، ولكنها تختلف عن لغات البشر وأن لغة الإنسان مقرونة بالفكر في إصدار الأصوات وتلقيها ويحكمها العقل وينظم عملياتها ولا يجـعلها أصواتا خالية من المعنى، والنظام هو الذي يمنحها الثراء والفاعلية والتعبير عن الأهداف السامية والذهنية المجردة، ويتطور أمرها بتطوير نضج الإنسان، ونضج عقله وترقي فكره، واللغة بهذا المعنى من خصائص الإنسان وحده دون سائر المخلوقات الأرضية الحية الأخرى، وما أعظم منة من الله على الإنسان حيث يقول: {الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الأِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}.

إن للغة البشر مقدرة على الإبداع والإمتاع والابتكار، والمقاطع التي ننطقها هي تأثيرات صوتية طبيعية تستقبلها الآذان لكنها مرتبطة بأعضاء النطق فلا نستطيع أن نعرف حركات الأعضاء النطقية إذا صرفنا النظر عن التأثير الصوتي، والصوت - إذن- أداة للتفكر، وإن للغة في كل لحظة نظاما ثابتا وحركة متطورة، ولها في مجموعها أشكال كثيرة متضاربة لأنها في مجالاتها المتعددة: مادية وعضوية ونفسانية، وكما أن اللغة - بصفتها المذكورة - من خصائص الإنسان فإنها غاية منشودة في حياته الفردية والاجتماعية.

مكانـة اللغـة العربيـة:

إن اللغة العربية هي من أقدم اللغات وأغناها على الإطلاق، ولأسرار وحكم يعلمها خالق البشر والقوى، اختار هذه اللغة وعاء لكتابه الخالد، كما أشار إليه قوله: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}، (الشعراء : 192-193)، وكانت اللغة العربية قد بلغت قبل البعثة المحمدية أوج كمالها في التعبير البليغ السامي عن جميع مقومات الحياة، وأوج مجدها في الفصاحة والنتاج الأدبي شعرا ونثرا، وظهرت روائـع إنتاجها في الأشعار والأمثال والقصص.

ومع نزول القرآن في هذه اللغة ارتفع شأنها وأصبحت اللغة السائدة في بلاد العرب والمسلمين، وإن للغة العربية فضلا كبيرا على نشر حضارة الفكر العربي الإسلامي، وتقدم العلوم والفنون والآداب المخـتلفة، ولأجل القرآن ظهرت علوم القرآن كلّها كما ظهرت علوم اللغة والنحو والصرف، والبلاغة التي كانت أساسا لتفسير نصوص القرآن وفهمها، ومن أجله أيضا ظهرت علوم منهجية مثل علوم التاريخ والأخبار والأسانيد وغيرها، كما تقدمت - تطبيقا لتعاليم القرآن - علوم كـثيرة مثل الرحلات والجغرافيا والسير، واستحدثت علوم الطب والكيمياء والاجتماع وعلوم أخرى تابعة لدراسة القرآن، مثل التجويد والتلاوة إلى جانب علوم عديدة إسلامية.

و يتضح من هذا كله مدى طاقة اللغة العربية لما تمتاز به من قوة بيانها وأصالة ألفاظها وأصواتها وموسيقى كـلماتها ووفرة معانيها، ولماّ كانت العلوم الإسلامية كلها تقوم على المبادئ القرآنية والسنة النبوية فيجب اغترافها من مناهلها الفياضة الأصلية ألا وهي نصوص القرآن والحديث النبوي فلا يتحقق هذا الهدف المنشود إلا عن طريق اللغة العربية التي هي وعاءهما الأصلي، وإذا رجعنا إلى نصوص القرآن وجدنا أن اللغة العربية هي مركز الانطلاق إلى حظيرة القرآن إذ جاء فيه: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}، و{كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} و{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}.

وإن دراسة القرآن والحديث تحتاج إلى اللغة العربية لما فيها من معان سامية ومفاهيم أصيلة، وإذا قدمت معاني القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية مترجمة إلى اللغات الأجنبية فتعوزها روح الأصالة وروعة النصوص التي ينوط بها إعجاز القرآن وكذلك غزارة المعاني التي تمتاز بها اللغة العربية، ومن ماحية أخرى إن نشر اللغة العربية بين الشعوب الإسلامية في مقدمة الوسائل الفعالة التى تساعد على إيجاد التقارب الفكري بين الأمة الإسلامية لأنها تحمل في طياتها القيم الروحية التي يمنحها الإسلام لكل مسلم كما تكمن فيها روح الألفة والمودة والأخوة التي تربط بين قلوب المسلمين برباط وثيق، ومنح الله سبحانه وتعالى للمسلمين هذه اللغة لتحقيق التفاهم والترابط بينهم في أنحاء الأرض، بحيث يسعى كل مسلم لأن يقرأها ويفهمها بل ويتحدث بها، وإنها أيضا الوسيلة الأولى لنشر الدعوة الإسلامية.

ومن هنا يمكن أن نقول إن اللغة العربية تربط بين المسلمين  في مشارق الأرض ومغاربها برباط فكري ولفظي، لأن القرآن ليس مجرد مبادئ وتعاليم منعزلة عن الظاهر اللفظي وأن إعجاز القرآن منوط باللغة العربية، وإن اللغة العربية بطاقتها وتـراثها لجديرة بأن تكون وسيلة للتفاهم بين الشعوب المسلمة في كل مكان وعونا على المحافظة على الوحدة الفكرية والمظهرية بين أفرادها وجماعاتها، وأن الوحدة الفكرية بين المسلمين تعلب دورا هاما في هذه المرحلة الحرجة الخطيرة التي يمر بها العالم العربي والإسلامي.

ويمكن تلخيص أهمية نشر اللغة العربية في البلدان الآسيوية والأفريقية والأوربية والأمريكية في النقاط التالية:

1- إن هناك خطة خفية لنشر الفرقة بين المسلمين بالانتزاع من أيديهم حبل اللغة العربية الذي يعتصمون به جميعا، فحينئذ يسهل تشويه تعاليم الإسلام بين من لا يعرفون اللغة العربية، عن طريق كتب ومنشورات ومطبوعات عن الإسلام بغير اللغة العربية يراد بها القضاء على الإسلام معنويا بتشويه تعاليمه وبثّ السموم الفكرية بين أتباعه.

2- إن اللغة العربية تعلب دورا هاما وفعالا في مواجهة التحديات المعاصرة لأن انتشارها بين المسلمين المنتشرين في أنحاء العالم يساعدهم على تفهم دينهم والتمسك بطاقتهم الروحية.

3- إنها تساعدهم على استعمالها في التفاهم المتبادل فيما بينهم حتى يتيسر إيجاد تجاوب مشترك يمكنهم من مقاومة التخريب الفكري الذي تمارسه الجهات المغرضة لتشويه تعاليم الإسلام الحقة وتقطيع ذلك الرباط الذي يربط بين أبناء الأمة الإسلامية برباط فكري وروحي.

4- إن اللغة العربية هي وعاء القرآن الكريم ومركز الانطلاق إلى حظيرة القرآن والمنبع الأصلي للعلوم الإسلامية كلها كما أنها تساعد على توطيد ركن التعارف وتوثيق عرى التفاهم بين أبناء العالم العربي الناهض وبين أبناء البلدان الإسلامية غير الناطقة بها.

وجوب اختيار اللغة الفصحى في التعليم:

يجب اخـتيار اللغة الفصحى منطلقا لتعليم العربية لغير العرب لعدة أسباب علمية وعملية ومنهجية، وفيما يلي مجموعة من هذه الأسباب.

أولا: إن العامية تختلف من بلد إلى بلد بل ومن منطقة إلى منطقة في كل قطر عربي، وإنما هي صورة أو صور من الكلام تحمل في ثناياها فوارق عديدة واختلافات شتى، سواء في الحروف أو النطق أو التراكيب الكلامية بحيث تخلو من خاصة الوحدة اللغوية التي تمثل العرب من حيث المجموع كأمة واحدة، ومن هنا تعجز هذه العاميات عن سدّ حاجات المتعلمين الأجانب في الإطار العربي العام، وتظهر هذه النتيجة واضحة حينما ينتقل المتعلم الأجنبي من بلد عربي إلى آخر بل ومن منطقة إلى أخرى في دولة عربية واحدة.

وثانيا: إن الفصحى هي التي تلبي أغراض المتعلمين الأجانب وتوفي بحاجاتهم على المدى البعيد والنطاق الواسع بحيث لا يصعب عليهم الاستماع إلى أي عربي وفي أي بلد والتفاهم معه في صورة موحدة أو شبه موحدة، ولا يتعبون في فهم العاميات المختلفة ذات السمات المحلية الخاصة ببلد عربي دون آخر، وأما الفروق الصوتية والاختلافات في نطق بعض الحروف فيستطيع المتعلم الأجنبي المتمكن في اللغة العربية الفصحى العامة أن يدرك تلك الفروق بمجرد أن يستمع إلى الكلمة أو الجملة منطوقة في إطار القواعد العامة، وأما العاميات فيحتاج الدارسون الأجانب لفهمها إلى أن يتعرفوا على المفردات والتراكيب المختلفة مع تحديد بيئة وبلد كل منها.

وثالثا: إن اختيار العامية أو اللهجات المختلفة لتعليم العربية لغير الناطقين بها يضعنا أمام مشكلة كبرى عملية، إذ إن العاميات واللهجات ذات صور متعددة في الوطن العربي كإطار عام، فأي عامية أو لهجة نختارها للتعليم العام؟ فمثلا: هل العامية المصرية؟ أو الجزائرية؟ أو العراقية؟ وما إلى ذلك، وهذه التساؤلات تدل على صعوبة أو استحالة هذه المهمة، ولو اخترنا نظام تقديم بعض اللهجات العامية إلى جانب الفصحى أو الفصحى لمجموعة والعامية لأخرى فإن المنهج يؤدي إلى اضطراب في العملية التعليمية، وعرقلة لاستمرار الوحدة المنهجية للتعليم في مراحله المختلفة، ولو اخترنا عامية لسبب من الأسباب أو نظرا لظروف خاصة لمجموعة من المتعلمين فتكون فائدتها مقصورة على فترات زمنية محدودة وعلى بيئات عربية ضيقة وعلى حالات معينة، ولا يحقق هدفهم العام بعيد المدى من تعلم اللغة العربية.

ورابعا: عرفنا أن اللغة العربية الفصحى هي الوعاء الحقيقي للقرآن والسنة والعلوم الإسلامية ، فإن الدارسين للغة العربية من أجل فهم القرآن والعلوم الإسلامية ليواجهون مشكلات أساسية كبرى وعديدة لو قدمنا إليهم اللهجات العامية أو الخليط منها ومن الفصحى، وجدير بالذكر أن الفصحى مازالت - ولا تزال - منهل العلوم والفنون والآداب على رغم الجهود الفاشلة لبعض الأشخاص المغرضين أو الجهات المغرضة لنشر العامية كتابة وقراءة، والواقـع أن اللغة العربية الفصحى ما تزال - بفضل القرآن الكريم والعلوم الإسلامية  والأدب العربي والإسلامي الرائع المدون في أمهات الكتب باللغة الفصحى القديمة والمعاصرة تنتظم  مجموعة الأساسية للغة العربية فجميع قواعدها ثابتة ومحدودة بحيث  يسهل فهمها وتناولها والتعايش مع التدريبات اللغوية وفقا لقواعد الإعراب وقوانين نظم الكلام وأحكام الصياغة والتصريف وغيرها.

وخامسا: إن في اختيار الفصحى منطلقا لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها خدمة عظيمة للإسلام والمسلمين فإن الفصحى هي دعامة كبرى لوحدة الكيان العالم العربي والإسلامي وفيه أيضا خدمة لمقوماته الدينية  والثقافية والاجتماعية والسياسية، وإن اختيار الفصحى في جميع مراحل التعليم فيه إنصاف لواقـع العالم العربي الذي ينتظـم تحت إطـار واحد من العقيدة والدين واللغة والثقافة والتاريخ والموقـع الجغرافي والمصير بصفة عامة، وإن في تقديم العامية في التعليم أو العمل لنشرها مجـانبة للصواب ومخالفة للواقـع المحسوس، وأضف إلى ذلك أن اللغة العربية الفصحى إنما هي همزة الوصل ونقطـة الالتقاء بين أبناء العالم العربي وبين مئات الملايين من المسلمين في البلدان غير العربية بصفة كونها لغة القرآن ولغة العبادات ولغة العلوم الإسلامية.

طريقـة اختيـار الفصحى ونوعيتهـا:

وخلاصة ما تقدم وجوب الإصرار على تعليم اللغة العربية الفصحى لغير الناطقين بها بهدف الوصول إلى صيغة لغوية موحدة وعامة في الإطار  العربي العام بحيث تنتظم الخواص العربية الأصلية المشتركة وتخلو بقدر الإمكان من الاختلافات المحلية الخاصة ببلد عربي دون الآخر سواء في المنطق أو اللهجات أو المفردات أو التراكيب ذات السمات المحلية.

ومن المعروف أن اللغة الفصحى أيضا في جميع لغات العالم، ذات أنماط وأشكال متنوعة من الأساليب وصور التعبير، باختلاف العوامل والظروف المحيطة بها من بعد الفترة الزمنية وأسباب النموّ والتطور، ومن هنا يقال: بتجاوز في التعبير، أن هناك نوعين من الفصحى: أما أولهما فالفصحى الكلاسيكية أي القديمة مثل فصحى العصر الجاهلي وما بعده التي فقدت الممارسة العملية لها أو قلّ استخدامها في مجالات الحياة اليومية، وأما ثانيهما فالفصحى المعاصرة التي تعيش في مجالات الحياة عن طريق الاستعمال الواقعي بصورة أو أخرى، وكلما بعدت الفترة الزمنية قلّت الممارسة العصرية كانت النتيجة جفوة بين اللغة وأهلها وتتفاوت درجات السهولة والصعوبة في فهمها واستخدامها اليومي.

ومن ثم ينبغي أن نضع في الاعتبار مجموعة من المبادئ العامة عند اختيار مادة اللغة الفصحى العربية لتعليمها، سواء لغير العرب أو العرب أنفسهم:

أ – يجب اختيار فصحى العصر لتعليم العربية لغير أهلها، إذ هي الصيغة الأسهل تناولا والأقرب منالا بحكم قربها الزمني ومعايشتها لمجالات الحياة اليومية، وجدير بالذكر أن هذه الفصحى ما تزال تنطوي على جميع الخواص الأساسية للغة العربية، بفضل القرآن الكريم، ويقال في هذا المجال، إن العرب يختلفون فيما بينهم، بنوع ما، في نطق الفصحى العصرية وفي بعض تراكيبها وصيغها، ويمكن الرد عليه بأن هذا أمر يمكن تناوله تناولا علميا وموضوعيا يصل بنا في النهاية إلى خطوط عريضة للغة مشتركة صالحة للتطبيق في العملية التعليمية على المستوى العربي العام، وإن اختيار مثل هذا المنهج ليكون أيضا عونا كبيرا على توحيد أو تقريب بين هذه الصور المتعددة كما أن فيه خدمة للقضاء على سطوة اللهجات العامية.

ويتحقق هذا الهدف المنشود بالالتجاء إلى الظواهر الصوتية التي يغلب استعمالها في الوطن العربي في عمومه مع مراعاة ما قرره الأقدمون من علماء اللغة في هذا المجال، وكذلك يجب استخدام المفردات والتراكيب العامة التي يشيع استعمالها لدى العرب بصفة عامة، عند وضع المواد المقررة في جميع المراحل وخاصة في المرحلة الأولى.

ب - اتخاذ طريق متدرج الخطوات، ويبدأ بالعبارات والأساليب التي تقرّب من لغة الحياة اليومية، والتي يشيع استعمالها في شتى مجالات الاجتماعية، ونتيجة في اختيار المواد المقررة والنصوص المطلوبة نحو لغة الأدب الحديث الجيد، ولغة وسائل الإعلام المعروفة مثل مفردات وأساليب نشرات الأخبار والأحاديث في الإذاعة والتلفزيون والصحف المعتد بها، وإن اللغة الفصحى اليوم لغة مكتوبة في أغلب أحوالها، ويمكن أن تتخذ هذه اللغة المكتوبة ذاتها أساسا عند اختيار المواد المقررة في مختلف المراحل التعليمية، ولا ينبغي أن نهمل فصحى العصور القديمة، وخاصة الزاهرة منها في العصور الذهبية للحضارة الإسلامية، وهكذا يستطيع الدارسون الإلمام بصورة متكاملة للغة العربية في عصورها المختلفة وفقا لمنهج دراسي متطور حسب الأهداف والفرات المحددة لكل دورة تدريبية أو مرحلة تعليمية.

ينبغي أن تكون المواد المختارة ذات تنوع في المعاني وأغراض التعبير، بحيث تصور الحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وكذلك يجب أن توزع قواعد اللغة الصرفية والنحوية وغيرها توزيعا عادلا مناسبا لكل مستوى ومرحلة، وبالنسبة إلى التدريبات الصوتية يمكن أن توضح الصور النطقية الصحيحة في تسجيلات صوتية تتخذ نموذجا يحتذى به، ويلاحظ في اختيار الصور الصوتية أن تكون المفردات والتراكيب مستعملة في أغلب البلدان العربية ومشتركة فيما بينها في الوقت الحاضر حتى تكون هذه المواد نموذجية ومعيارية وعصرية.

د - في ضوء هذه المبادئ الأساسية نختار بعض الآيات القرآنية التي تمدّ المتعلم بأفكار نافعة وثورة لغوية مفيدة، وكذلك بعض الأحاديث النبوية الشريفة التي تعدّ أيضا مصدرا غنيا في هذا الشأن.

ثم نورد أمثلة من أعمال المفكرين والكتاب والشعراء المعاصرين والقدامى من عصور العربية الزاهرة، وكل هذا وذاك حسب حاجات المتعلمين أو تخصصاتهم ومستوياتهم المختلفة، ومن المعروف أن هذا المنهج يكون مقصورا على دورات تعليمية متخصصة فتكون المادة المختارة في مجموعها على الأساليب العلمية المتخصصة بهذا الفرع أو ذاك.

ويمكن أن نطـلق عليها (الدورات التدريبية التخصصية)، وهي تختلف تماما في المادة والهدف عن النهج العام لهذه النوعية من التعليم، ولا ضير في هذه الحالة أن تكون المادة المخـتارة في مجموعها مقصورة على الأساليب العلمية المتخصصة، مع إمكانية الاسترشاد بالمبادئ العامة لتعليم العربية لغير الناطقين بها.

هـ- الاهتمام بتعليم أصوات اللغة العربية؛ إذ إن الأصوات هي اللبنات الأولى للبناء اللغوي من المفردات والجمل والتراكيب والأساليب التي تشكل أية لغة في مجموعها، وإن المتعلم الأجنبي لا يستطيع أن يستوعب ما يتعلم ويجـيد نطقه بدون تعلم الأصوات، إما من قواعد أصوات الفصحى بصورها المختلفة فإنها مسجلة في كـتب المحدثين والأقدمين جميعا، ويتحتم علينا لأدائها العملي أن نلجأ إلى صورة مشتركة من النطق تمثل الخواص الصوتية للعربية الفصحى تمثيلا صادق، ولتحقيق هذا الهدف نستطيع مراجعة المجـيدين من قراء  القران الكريم والاستعانة من بالمتخصصين في اللغة العربية الفصحى بالنطق والأداء النموذجي.

ويجب أن نراعي في هذا المجال كلّ الجوانب الصوتية للغة، بحيث يعمل نطق الأصوات للمفردات والجمل والعبارات فـكما أن لأصوات المفردات حدودا من الصحة والأداء فهناك حدود معينة لكل ما يتألف منها من جمل وتراكيب أو صيغ منها من وحدات لغوية وكما ينبغي مراعاة قواعد النطق والنبرات في الأداء  الصحيح للكلمات، يجب الاهتمام بالإدغام وتوزيع الفواصل والوقفات ودرجات المدّ والشدّ وما إلى ذلك من القواعد المطردة في الجمل والعبارات، ومن المعروف أن طريقة أداء الكلام أو إلقائه في صورة معينة منسقة هي التي تكشف عن معانيه ومقاصده الحقيقية، وبعبارة أخرى أن معاني الجمل والعبارات تظهر وتتحدد بأدائها أداء موسيقيا أو تنغيميا معينا حسب خواص التركيب اللغوي وتوجيه مقامات الكلام وظروفه المختلفة.

و- تحـديد نوعية قواعد النحو والصرف التي تقدم إلى هؤلاء المتعلمين، ويجب أن يكون ما يقدم مناسبا لمستويات الطلاب أو أهدافهم من تعلم اللغة، ونتفادى مجاراة نهج الأقدمين في تقديم مجموعات من القواعد بقطع النظر عن التدريبات العملية التي يقوم بها المتعلم بكل ما يتلقاه من القواعد قراءة وكتابة وتمرينا، وأول مبدء لاختيار القواعد النحوية والصرفية لهؤلاء الدارسين هو الإدراك بأن تعليم القواعد النحوية هو وسيلة لا غاية في ذاته أي أنه وسيلة لاكتساب عملية فهم المسموع والمقرؤ وإفهام الآخرين ونقل الأفكار إليهم بالتعبير الشفوي والتعبير الكتابي.

فينبغي اختيار تلك القواعد التي تساعد الطلاب على هذا القدر من الفهم والتعبير بسهولة ويسر، ونستبعد بقدر الإمكان من قواعد الصرف، مثلا: مسائل الإعلال بالنقل والقلب والحذف ومسائل التقدير والافتراض والتأويل وما شابه ذلك من الأمثلة الجدلية والقواعد الشاذة، ويمكن أن يقدم مثل هذه المسائل العويصة في المراحل المتخصصة أو المتقدمة فليس من الضروري الانسياق وراءها في المراحل الأولى لتعليم الدارسين غير الناطقين باللغة العربية.

وبالنسبة إلى قواعد النحو فيكفي تقديم قواعد تركيب الكلام من تقديم وتأخير وتنسيق مفردات الجملة بعضها ببعض، وقواعد التذكير والتأنيث والإفراد والتثنية والجمع والتعريف والتنكير، وكذلك علامات الإعراب الأصلية والفرعية، ويجب أن نلاحظ في تقديم قواعد النحو أن لا تكون منحصرة في الإعراب فقط لأن أهمية التدريب في الكلام ونظمه لا تقل عن أهمية الإعراب، وإن الاهتمام المبالغ فيه هو الذي يؤدي إلى الدخول في المسائل النحوية المعقدة كمسائل التقدير والافتراض وحشد الأمثلة الشاذة، الأمر الذي يعقد العملية التعليمية للدارسين المبتدئين.

وأما الأبواب الشائعة ولكنها معقدة إلى حد ما مثل أبواب التحذير والإغراء والندبة والتعجب وغيرها فيمكن أن تقدم أمثلتها على أساس أنها أساليب عربية تستعمل في الظروف والمناسبات الخاصة، دون الدخول في تفاصيل التحليل الإعرابي والتحليل اللغوي، ومن الضروري كذلك أن نضع في الاعتبار عند اختيار مادة القواعد أن نقدم قواعد الصرف مستقلة عن قواعد النحو، فالصرف هو جزء لا يتجزّأ للنحو بل هو الذي يمهد له الطريق، ولا تظهر قيمة أمثلة الصرف إذا أخذت منعزلة عن قواعد التركيب النحوي، ولهذا يجب الاهتمام بتقديم قواعد النحو والصرف وأمثلتهما معا، مع مراعاة مستويات الطلاب وأهدافهم من تعلّم هذه اللغة من حيث النوعية والكيفية المذكورتين.

مراعاة أهداف المتعلمين ومستوياتهم الثقافية:

لا بد أن نأخذ في الاعتبار عند وضع منهج تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها واختيار المواد المطلوبة ونوعيتها، أهداف هؤلاء المتعلمين وأغراضهم من تعلم هذه اللغة وكذلك المستويات الثقافية لهم، وأن نوعية اللغة التي تقدم لهم وحدودها وخواصها وصيغها ومفرداتها وتراكيبها يجب أن تكون ملائمة لأوضاعهم الثقافية ومحققة لأهدافهم من تعلمها.

أما فيما يتعلق بالأغراض التي من أجلها يتعلم الدارسون الأجانب اللغة العربية فمنهم من يتعلم العربية لأهداف علمية وثقافية أو لأغراض تجارية واقتصادية أو سياسية أو لأجل مجرد التحدث مع أصحاب هذه اللغة في المعاملات اليومية، ويقبل البعض على تعلمها لفهم القرآن والعلوم الإسلامية، وهذا التنوع في أغراض الدارسين يتطلب تنوع الصيغة اللغوية التي تقدم إليهم لتلبية حاجات كل فريق حسب مقاصدهم التي من أجلها يدرسونها.

ويأتي بعد ذلك اختلاف المستويات الثقافية بين المتعلمين الأجانب، وأن هؤلاء المتعلمين يكونون ذوي ثقافات متفاوتة وأنماط متباينة من التربية البيئية والسلوك الاجتماعي، فليس من المقبول تربويا وعمليا أن تقدم لهؤلاء الدارسين المنتمين إلى بيئات متعددة وأوضاع ثقافية متفاوتة، مادة موحدة وبدرجة واحدة، وإن هذا النهج يحدث الخلط والاضطراب في التدريس، وربما يفوت فرص الفهم للمادة والتشوق لهذا الفريق أو ذاك لاستيعاب الدروس.

وهنا تنشأ أيضا مشكلة أخرى هامة وهي اختلاف اللغات القومية بين هؤلاء المتعلمين، وقد ثبت من التجارب أن الطلاب يختلفون فيما بينهم في درجة الفهم والتحصيل للغة العربية باختلاف لغاتهم القومية، فإن طالبا مسلما من الهند أو باكستان أو بنجلادش أو من تشاد أو من جزر القمر ونحوها من البلدان التي قد تأثرت لغاتها المحلية باللغة العربية، حيث أن هذا الطالب له نوع من الإلمام ببعض الكلمات العربية أو المصطلحات الإسلامية كما أنه عادة يحفظ بعض السور من القرآن الكريم أو أدعية الصلوات وغيرها، فلا ينبغي أن يوضع هو في عداد الطلاب الذين يأتون من البلاد الأوربية أو الأمريكية بدون أن يكون لهم أدنى إلمام باللغة العربية أو حروفها الهجائية وخاصة بنطقها ومخارجها الصحيحة.

وقد سمعت رأيين من قبل بعض رجال التربية والعلماء المتخصصين في تدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها، وفي معالجة هذه المشكلة أي مشكلة اختلاف المستويات والأهداف واللغات القومية، فيرى البعض: وجوب العمل للتوفيق بين هذه الاعتبارات المختلفة إجمالا أي بتقديم مجموعة من المواد المختلطة من الفصحى والعامية والمصطلحات التجارية والعلمية والسياسية والتدريبات اللغوية المشتملة على القواعد الأساسية لأصوات اللغة ونحوها وصرفها وبلاغتها، وهذه هي الطريقة الممكنة للجمع بين هذه الحالات المختلفة والأوضاع المتفاوتة.

ويرى البعض الآخر : أن هذا المنهج يؤدي إلى الاضطراب في العملية التعليمية، وربما يصلح في حالة دورات تدريبية قصيرة ذات هدف محدد من تعليم هذه اللغة لمجموعة من الدارسين، أما التعليم بصورة علمية ومنظمة لمدة طويلة فينبغي أن يكون على أساس خطة مدروسة طويلة المدى، ولهذا اقترحوا توزيع الطلاب على فصول الدراسة بحسب أوضاعهم الثقافية ولغاتهم القومية مع مراعاة مدى ملاءمة المادة المختارة لهذه الأوضاع وكذلك لمقاصد هؤلاء وأولئك، وإن كانت هذه الطريقة تبدو صعبة في أول وهلة فإنها هي الطريقة المثلى لتفادي محظور الخلط والاضطراب، وتحقيق التقدم في تعليم العربية لغير الناطقين بها بصورة أسهل وأنفع.

التخطيط المنهجي لتدريس المواد المقررة.

تطرقنا فيما سبق إلى ضرورة اختيار الفصحى منطلقا لتعليم العربية لغير الناطقين بها لعدة أسباب علمية وعملية ثم تكلمنا عن حقيقة تفاوت المستويات الثقافية لهؤلاء المتعلمين وكذلك اختلاف أهدافهم وأغراضهم من تعلم العربية وأشرنا أيضا إلى أهمية التنبيه إلى أمر اختلاف اللغات القومية بين المتعلمين الأجانب ودور هذا الاختلاف في دفع عجلة تعليم اللغة إلى الأمام، وفيما يلي مجموعة من الأفكار العامة لوضع خطة منهجية لتعليم العربية غير الناطقين بها بحـيث تلبي أغراض المتعلمين وتفي بحاجاتهم كما تخدم اللغة العربية على المدى البعيد:

أ- الطريقة المباشرة:

إن عامل الاحتفاظ بعربية جوّ الدروس في الفصول أو قاعات التعليم من أهم العوامل التي تساعد الطلاب الأجانب على معايشة جو اللغة العربية والتأثر بخواص هذه اللغة نطقا واستعمالا في أرضية واقعية، ولهذا يجب أن تكون الطريقة التي يقوم عليها تدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها هي الطريقة المباشرة بأن تكون لغة التخاطب والتعليم بـين المدرس والطالب في قاعات الدروس هي اللغة العربية فقط دون الالتجاء إلى الترجمة أو استخدام اللغات الأجنبية.

وتظهر قيمة هذه الطريقة ماثلة أمام أعيننا لأنه كلما نطبق نظام الطريقة المباشرة تكون النتيجة اعتماد الطالب الأجنبي في الفهم والمناقشة مع المدرس على اللغة العربية نفسها فيستذكر الكلمات المحفوظة في ذاكرته ويدرب نفسه على التقاط النطق والأصوات اللغوية الصحيحة مباشرة من فم المدرس، وبهذه الطريقة سيصبح الطالب الأجنبي الذي تعودّ لسانه على لغات أخرى أكثر تأثرا وأشد اتصالا بخواص اللغة العربية، وتتاح له الفرصة لاستخدامها مع العرب بنبرات واضحة ونطق صحيح.

وجدير بالذكر أن الطريقة المباشرة هي النظرية التربوية المعروفة لدى خبراء  تعليم اللغات في العصر الحديث والمتبع في معاهد اللغات ومعاملها في الدول الأخرى، وإذا اضطر المدرس إلى ترجمة كلمة أو مصطلح أو نحو ذلك في مادة أو أخرى فعليه أن يختصر على قدر الضرورة وبنطاق ضيق فقط ثم يعود فورا، بمجرد انقضاء هذه الضرورة إلى اللغة العربية في المخاطبة، ولا يخفى ما لهذه الطريقة من أثر فى إيلاف الطـلاب الأجانب الجو العربي أثناء الدروس.

ب- أسـلوب التدريبات اللغوية:

إن التدريبات اللغوية هي الهدف الأول والأساسي في تخطيط منهج تعليم العربية لغير الناطقين بها، ومن ثم فلا بد أن يلتزم منهج تدريس هذه المادة لهؤلاء الطلاب بالطرق التالية:

الأولى: البدء بالتدريب على نطق الكلمات الواردة في المادة المقررة ويليه فهم المعاني، هذا قبل قيام الطلاب بقراءتها وكتابتها، لأن الطالب الأجنبي لو تدرب على نطق الكلمات المطلوبة فتسهل عليه قراءتها ثم كتابتها، والطريقة لهذا التدريب أن يطلب المدرس من الطلاب الإصغاء إليه جيدا ثم ينطق كل واحد بوضوح بالكلمة التي نطقها المدرس، وبعد أن درج الطلاب على قدر كاف وصحيح من نطقها يحاول المدرس إفهامهم معنى تلك الكلمة بأية وسيلة مناسبة بالإشارة أو الصورة أو الرسم وأخيرا بالترجمة ولا ينبغي أن تستعمل الترجمة إلا كآخر محاولة لتحقيق هذا الغرض.

والثانية: العمل لزيادة حصيلة الطالب من المواد اللغوية من المفردات والجمل يوما فيوما، بحيث تكون تلك الحصيلة متدرجة في الألفاظ والمعاني، سواء في الكم أو الكيف، بمعنى ضرورة البدء بجمل قصيرة ثم الطويلة وكذلك ذات المعاني المتداولة سهلة المنال ثم المعاني العميقة التي لا تستعمل إلا في حالات وظروف خاصة، ومثال ذلك: يجب أن يكون الدرس المقرر يشتمل على أسماء وأفعال معروفة وشائعة في الاستعمال اليومي مثل: ((قال)) و((ذهب)) و((قرأ)) و((كتب))، ويستبعد في البداية تلك الأفعال صعبة النطق ونادرة الاستعمال مثل :((صعق)) و((نعق)) و((احدودب)) و((تقهقر)) ونحوها، وكذلك أن يكون الدرس مشتملا على جمل متدرجة في قصرها وطولها وسهولتها وصعوبتها، فمثلا: تقدم أولا عبارات مستعملة في المعاملات اليومية للإنسان بحيث تتناول المحادثات اليومية عن الأكل والشرب أو اللعب أو الدرس وما إلى ذلك، وليس عن المسائل السياسية أو الاقتصادية أو الرحلات الطويلة، ويقدم ما يحتاج إليه في هذه المجالات في المراحل المتقدمة قليلا وبحسب فترات التدريب وتخصصات الطلاب.

والثالثة: بعد الخطوات المذكورة يأتي دور التدريب على الأسئلة والأجوبة باللغة العربية بين المدرس والطلاب تارة وبين الطلاب فيما بينهم تارة أخرى، وهذا بهدف تقويم لسان الطالب على نطق الأصوات ومقاطع الجمل وعلى تكوين المهارات فيهم على استخدام تلك الكلمات والعبارات التي تعلّموها في التعامل الفعلي بدون خجل ولا خوف ولا صعوبة، وهذه الطريقة تساعد أيضا على ترسيخ ما درسه الطالب من الجمل والعبارات في أذهانهم كما أنها تحقق الهدف الرئيسي من تعلّم هذه اللغة أي التدريب على التحدث بها وفهم أساليب استخدام اللغة العربية في مجالات الحياة المتنوعة.

وفي هذا المجال يجب على المدرس أن يكرر هذه العملية بعد كل درس جديد إلى أن يأنس في الطلاب القدرة على استيعاب ما درسوا، فهما واستعمالا، ويوجه أولا أسئلة لكل طالب  ليجيب عليه وكذلك يمكن أن يطلب أن يوجه بعضهم أسئلة إلى زميله فيجيب عليه سواء أكانت الأسئلة مدرجة في الدروس المقررة أو مستنبطة من أصول الدروس وقواعدها، وفي كلتا الحالتين ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار أن هذه الطريقة تعتمد أساسا على عنصر اكتساب الطالب التراكيب وأساليب المحادثات باللغة العربية.

والرابعة: يراعى في تدريس مادة التدريبات اللغوية إفهام الطلاب الأجانب ما للغة العربية  من خصائص تمتاز بها عن اللغات الأخرى ليكون هؤلاء الطلاب على إدراك وبينة لطبيعة العربية حتى تزول من أذهانهم محاولة قياس نظام وقواعد اللغة العربية على اللغات التي تعودوا عليها، ويقبلون على تعلم اللغة العربية بفكرة مستقلة واضحة، ومن هذه الخصائص:

موضع ((الفاعل)) من الفعل و((الصفة)) من الموصوف، فبينما يقدم الموصوف على الصفة في العربية فيؤخر في الإنجليزية مثلا، وكذلك الحال بالنسبة إلى الفاعل ففي الإنجليزية يقدم الفاعل على صيغة الفعل عكس النظام العربي المعروف، ويجب أيضا تنبيه هؤلاء الطلاب إلى حقيقة بعض الحروف الهجائية باللغة العربية والتي لا يوجد لها مثيل في أية لغة في العالم في النطق والمخارج مثل : الضاد والعين والخاء والصاد والطاء والقاف.

جـ- طريقة القراءة والكتابة:

إذا كان إفهام الطلاب الأجانب خصائص اللغة العربية يؤدي إلى تدريبهم على النطق الصحيح والتركيب اللغوي الذي تمتاز به العربية عن اللغات الأخرى فإن تعليمهم القراءة العر بية يأتي في المقام الأول ويليها تعليمهم الكتابة العربية. ويجب أن تكون مادة القاءة التي يتدربون عليها من بين الجمل والعبارات التي درسوها فعلا أثناء التدريبات اللغوية من المحادثات أو الأسئلة والأجوبة على أن تكون تلك الجمل قصيرة والكلمات سهلة النطق وفهم معانيها. وأما في مجال تلك المادة فلابد من مراعاة نظام التدرج فمثلا: تبدأ القراءة بالجمل القصيرة فعبارات موجزة من بعض النصوص.

وبعد اختيار المادة المناسبة يطلب المدرس من الطلاب واحدا فواحدا، أن يقرأها بصوت عال وبنطق صحـيح، ويقوم المدرس بتصحيح أخطاء القراءة فورا بدون أن ينتظر انتهاء الطالب من قراءته للعبارة أو الفقرة كلها، وإذا وجد نص مادة القراءة المطلوبة صعبة النطق يقرأ بنفسه أولا ثم يطلب من الطلاب أن يرددوها مرات لكي تتعود ألسنتهم على ذلك، والبساطة والإيجازفي الكلمات والعبارات  أمران ضروريان في تدريب الطلاب الأجانب في المرحلة الأولى من التدريبات اللغوية، و يستحسن تدريبهم على القراءة من العبارات التي لهم إلمام بمعانيها وموضوعاتها بحكم ثقافتهم العامة أو مستواهم العلمي أو وضعهم الاجتماعي، فعلى سبيل المثال، إذا كان معظم الطلاب في ذلك الفصل من المسلمين من بلاد غير عربية ولهم خلفية إسلامية يستحسن أن تشمل مادة القراءة التي تقدم إليهم على موضوعات عن أركان الإسلام والعبادات وسـيرة الرسول والتاريخ الإسلامي وما شابه ذلك، ويمكن أن تكون فيما بعد مدخلا لهم إلى العلوم الإسلامية في المراحل المتقدمة، وإذا وجد المدرس مستوى طلابه غير ذلك فعليه أن يختار لهم عبارات في موضوعات عامة اجتماعية وأخلاقية وسياسية وغيرها.

وعلى المدرس أن يوجه إليهم عقب انتهائهم من القراءة المطلوبة أسئلة تعين على فهم المعاني والأفكار التي انطوت عليها المادة المقروءة، كما أن هذه الطريقة تنمي فيهم قدرة الحوار والنقاش في اللغة العربية، ويجب على المدرس كذلك أن يأخذ في اعتباره زيادة حصيلة الطلاب من التراكيب  والعبارات العربية يوما فيوما بمعنى أن يكون ما يقدم إليهم من المواد متجددة ومتدرجة في الشكل والمضمون.

إن الكتابة العربية - في الحقيقة والواقع - أقصر كتابة، وأن اختصار الكتابة العربية واقع ملموس لكل ناظر. وذلك عند الموازنة بين الكلمات المعجمية والنصوص المحددة في اللغات الأجنبية ونظائرها في اللغة العربية، وأن الموازنة الصحيحة تثبت أن الكتابة العربية تتطلب مساحة أقل من تتطلبه الكـتابات الأجنبية في مختلف اللغات، وجدير بالذكر أن الكتابة العربية تقتضي اختصار الحروف المفردة عند استخدامها في الكلمة، فالحروف في حال اتصالها في الكلمة الواحدة تختزل بمقدار نصفها أو أقل أحيانا، وأن كتابة هذه الحروف متراكبة تتيح لحجم الكلمة مزيدا من الاختصار في المساحة، هذا إلى جانب كون الحروف العربية عادة أقل من حجم الحروف الأجنبية.

والحقيقة الأخرى التي يجب أن ترسخ في أذهان الطلاب هي أن الكتابة العربية العامة لا تقتضي كتابة نتمناعلامات الإعراب - أي التشكيل - على عكس الكتابة في اللغات لأجنبية، والنتيجة الحـتمية لهذا النظام أن كمية الحروف في أي كلمة عربية تعتبر بمقدار نصفها إذا روعي تعداد علامات الحركات للحروف في كـلمة أجنبي

التعليقات