أصل اللغة العربية وعلاقتها باللغات السامية
اعتنت الدراسات اللغوية المقارنة (الموازنة) الحديثة بتاريخ اللغات، وذهبت مذاهب شتى في تقسيم الجنس البشري، ومعرفــة الفصائل اللغوية المختلفة، ووضعها في مجموعات أطلق على كل منها اسم يجمــع الفروع اللغويــة المتشابـه ويوحدها في أصل تلتقي عنده في تاريخها القديم .
وأقدم راوية لتقسيم اللغات استنــدت (( إلى ما جاء في التوراة مــن أن الطوفان عندما اجتاح سكان الأرض، لم ينــج منــه سوى نــوح وأولاده الثلاثـة: سام وحام، ويافث، وما حمـل معه فـي سفينتـه مـن كل زوجين، فنوح هو الأب الثاني بعد آدم للشعوب البشرية، وعن أولاده الثلاثة تفرعت هـذه الشعوب الـى سامية، حاميــة، وآرية (يافثية).
وأول من استعمل هذا الاصطلاح هو العالم الألماني شلوتسر في أبحاثه وتحقيقاته في تاريخ الأمم الغابـرة سنـة 1781م، مستنـدا الـى روايـة التـوراة السالفـة، وقــد وضعت اللغة العربية بموجب هــذا التقسيم ضمن مجموعة اللغات السامية التي ورد ذكـرها عنـد شلوتسر.
وقد لاحظ العلمـاء أوجه الشبـه وصلة القربـى بين أبناء المجموعـة الواحـدة، ووجـدوا هـذا الترابط أساسـا للتقسيــم الـذي ساروا عليــه.
غيــر أن اليهود وكتّـاب التوراة عــدّوا الليـدين والعيـلامييـن مـــن الساميين، لشـدة امتزاجهـم بالآشوريين وخضوعهـم لسلطانهـم السياسـي ، مـع أنهم من الناحية الشعبية أجنبيان عن الشعوب السامية وأجنبيان أحدهما عن الآخر، فالعيلاميون يغلب على الظـن أنهم من جنس إيراني، والليديــون غير معروفي الأصل وأغلب الظن أنهم أجداد الأكراد، ولكن من المقطوع به أنهم غيـر ساميين، وعلى هـذا الأسـاس الواهـي الـذي لا يعتمد على الأصل القومي في التصنيف عدّ سفر التوراة ـ المذكور آنفـا ـ الفينيقيين والكنعانيين مـن الشعـوب الحاميـة وليس مـن الساميـة مع أنهما الشعبان الأقرب الى الشعب العبـري وذلك سبب الخـلاف الدينـي والسياسـي بين اليهود وهـذه الشعـوب، وكذلك لحظوا الصلات السياسية والثقافية التي كانت بين هذين الشعبين والشعوب الحامية المصرية والبربرية.
فمصطلـح اللغـات الساميـة يشمل اللغات الأكادية (الآشورية – البابلية) والآرامية والكنعانية (العبرية والفينيقية) والعربية واليمنية القديمة والحبشية .
مخطط اللغات السامية
موطن الساميين
اختلف العلماء فى تحديد الموطن الأصلى للساميين ‘ والآراء فى هذا الشأن على النحو التالى:
- ذهب فريق من العلماء الى أن أرمينية هي موطن الساميين الأصلي، وفريق من هؤلاء يرى أن هـذا الموطن كان المهـد الأول للشعبين السامي والآري معا، ويضعّف الدكتور علي عبد الواحد وافي هذا الرأي لعدم وجود الأدلة على ذلك.
- ترى التوراة أن اكبر وقعة عمرها بنو نوح (ع) هي أرض بابل ويـرى (إسرائيل ولفنسون) أن هـذه النظـرة أقـرب الى الحقيقـة وقد أثبتت البحوث التاريخية - كما يقول – إن أرض بابل هي المهد الأصلي للحضارة الساميـة. وقد أيد المستشرق الإيطالي ( أغناطيوس جويـدي ) هذا الرأي إذ يرى أن المهد الأصلي للأمم السامية كان في نواحي في جنوب العراق على نهر الفرات، وقد سرد عدداً مــن الكلمات المألوفـة فـي جميـع اللغات الساميـة عـن العمـران والحيوان النبات وقال: إن أول من استعملها هي أمم تلك المنطقـة ثم أخذ عنهم ذلك جميع الساميين، وهذا الرأي مردود لأن الزمن بين نوح (ع) وبابل يبلغ أكثر من ألفي عام تأخرت فيه بابل عـن نوح وأولاده، وقـد سبقت حضارة بابل بحضارات قبلها ، فكيف تكون مهد الساميين ؟
- يرى ولفنسون أن هجرة الأقوام السامية ( الأكدية والآرامية والإسرائيلية) بدأت كلها من جزيرة العرب لكنه مع ذلك لا يقطع بأن الجزيرة العربية هي مهد الساميين الأول، وإن ما يربط الساميين بجزيرة العرب هي صلتهم بلغاتها وظهور أثر الصحراء والبداوة فـي طبـاع الساميين وتفكيرهم وخيالهم.
- يـرى بعض المؤرخيـن أن الموطـن الأصلـي للسامييـن هـو الحبشة ومنـها نـزحـوا الـى جنوب الجزيرة العربية عن طريق مضيق باب المندب، من اليمن انتشروا في أنحاء الجزيرة العربية، ثم من الجزيرة العربيـة انتشروا فـي العراق والشام وهذا الرأي مرفوض لأن المكتشفات الأثرية في الحبشة لا تعود الى زمن أقدم من (300 ق م) في حين نجـد الآثار السامية في العراق والشام يصل تاريخ بعضها الى (2500 ق م) .
- يرى فريق آخـر من المؤرخين أن موطن الساميين الأصلي هو شمال أفريقيا وتحديدا في ليبيا، ومنهــا عبروا برزخ السويس ثم انتشروا في آسيا ويرد هذا الرأي بما رددنا به الرأي السابق .
- يرى المشـــــرقون الألمان أن مهــد الساميين الأصلـــي هو بـــلاد كنعان (فلسطين ولبنان) وأن الساميين كانوا منتشرين في البلاد السورية في أزمنة سحيقة في القدم، ولكن حضارتها في هـذه البلاد لا تُعرف نشأتها ولا تُعرف لهم مدينة فيها.
- يـــرجّح بعض العلماء أن مهـــد الساميين كـان القسم الجنوبي الغربي من الجزيرة العربية (بلاد الحجاز ونجد و اليمن وما الى ذلك)، وقد مال الى هذا الرأي عدد كبير من قدامى المستشرقين ومحدثيهم، وعلى رأسهم العلامتان (رينان) الفرنسي و (بروكلمان) الألماني ، وهــذا هـو أصح الآراء وأقواها سنداً وأكثرها اتفاقاً مع آثار هذه الأمم وحقائق التاريخ.
خصائص اللغات السامية / السامية الأم
تمتاز مجموعة اللغات السامية بمجموعة من الصفات تستقل بها ولا توجد في غيرها من اللغات الأخرى ومن هذه الخصائص:
- الكلمات من اللغات السامية أغلبها من أصل ثلاثي (جذر ثلاثي) ولكن فيها كلمات يكون جذرها من أصلين مثل (أب، أخ، أم، عم، يد، فم، سن) وقد نظر اللغويون الى هذه الكلمات الثنائية نظرتين الأولى تقول إن هذه الكلمات تمثـل مرحلـة مـوغلة في القدم من حياة اللغة السامية الأم، فهـي إذن مرحلـة مـن مراحـل تطـور اللغــة فـي تاريخها وان السامية الأم بدأت بالألفاظ الثنائية وتطورت الى الألفاظ الثلاثيـة، والنظـرة الثانيـة : هي أن هذه الكلمات لها حرف ثالث يظهر عند الجمع والنسب مثل: (يدوي، دموي، أخوان) فيرجع الأصـل الـذي يشتمل على الحرف الثالث وهو أما (واو) أو (ياء).
- العدد في اللغات السامية مفرد ومثنى وجمع، إلا أن بعض اللغات السامية فقدت صيغة المثنى واحتفظت بالإفراد والجمع ولم يبق من صيغة المثنى في اللغات السامية إلا آثار يسيرة في اللغة العبرية، فصيغة المثنى باقية فيها تستخدم للتعبير عن المزدوج من أعضاء اليدين مثل (يداين، عيناين اذنيان)، ولم يبق محتفظاً بصيغة التثنية إلا العربية.
- الجنس فــي اللغات الساميـة مذكـر ومـؤنث على الحقيقـة وقـد ترسخت هـذه الخصيصة حتى أن الساميين قسموا الموجودات غير الحية الـى مـذكر ومـؤنث، وليس فـي اللغات الساميـة (الجنس المحايد) بين التذكير والتأنيث، وعادة يكون للتأنيث علامات في اللغة العربية.
- تعتمـد فـي كتابتها في خطـوطها القديمـة على الحـروف الصوامـت فتثبتها فـي الكتابة ولا تعتني (بالحروف الصوائت أي حروف العلة، فـلا تثبتها فـي خطـوطها وهـذه الطريقـة موجـودة فـي القران الكريم مثل – الرحمن، اسحق، اسمعيل.
- توجد اللغات الساميـة مجموعتان من الأصوات اللغوية لا يوجد في غيرها من اللغات الأخرى: المجموعة الأولى أصوات الحلق – (الحاء، والعيـن، والغيـن، والخـاء، والهـاء، والهمـزة: والمجموعة الثانية الأصوات المطبقة وهي (الصاد، والضاد، والطاء، والظاء).
- تتشابه في تكوين الفعل من حيث زمانه وتجرده وزيادته وصحته واعتلاله.
- تكـاد تخلـو مـن الأسمـاء المركبـة تركيبا مـزجيا إلا في ألفاظ العدد، نحو خمسة عشر وغيرها.
- تتشابه فـي الضمائر وطريقـة اتصالها بالأسمـاء، والأفعـال، والحـروف، وفــي صوغ الجمـل وتركيبها، وفي المشتقات كاسمي الفاعل والمفعول، واسمي المكان والزمان.
- تُحقِّق الاشتقاق إما بتغيير الحـركة، وإما بالزيادة فـي أحـرف الكلمـة، أو بنقصها مـن غيـر أن تلتزم موضعا واحدا في هذا التغيير بخلاف اللغة الآريـة التي يتحقق فيها الاشتقاق بزيادة أدوات تدل على معنى خاص في أول الكلمة غالبا.
* تتشابـه فـي كثيـر مـن المفـردات الأساسيـة المشتـركة، ويمكـن تقسيـم هـذه المفـردات الى المجموعات الآتية :
- ألفاظ خاصة بجسم الإنسان (رأس، عين، يد، رجل)
- ألفاظ خاصة بالنبات والحيوان (قمح، سنبلة، كلب، ذئب)
- قسم من الألفاظ الأساسية (ولد ، مات، قام، زرع)
- الأعداد الأساسية (من اثنين حتى عشرة)
- حروف الجر الأساسية (مـن ،على ، في)